ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية، حقق للميزانية العامة للدولة عوائد مالية كبيرة، أدت بدورها إلى زيادة حجم الإنفاق على المشاريع وارتفاع المعروض من النقود وارتفاع حجم السيولة في السوق المحلية، وهو ما ساهم بدوره في الارتفاع العام في مستوى الأسعار «التضخم»، وتآكل القيمة الشرائية للريال في السوق المحلية بسبب هذا الارتفاع. وارتفاع الأسعار بالتزامن مع ارتفاع حجم الإنفاق نتيجة طبيعية، فكلما ارتفع مستوى الدخل القومي في بلد ما ارتفعت أسعار المعيشة فالدول الأغلى في العالم هي الدول الأكثر ثراء. ومع تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، فمن الطبيعي أن يقل حجم الإنفاق على المشاريع إذا استمر هذا التراجع في المستقبل إلى ما دون سعر برميل النفط الذي تضعه وزارة المالية عند تقديرها للميزانية العامة، ولم يتم اللجوء إلى الاحتياطات العامة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تراجع ارتفاع الأسعار. صحيح أن هناك أسبابا داخلية وأسبابا خارجية للتضخم لكن في المملكة قد تكون الأسباب الداخلية أكثر من العوامل الخارجية، ويعتبر حجم الإنفاق الحكومي هو المحرك الأول للتضخم، ويمكن قياس ذلك على ما حدث في الطفرة الاقتصادية الأولى للمملكة، حيث كان السبب في ارتفاع معدلات التضخم هو ارتفاع حجم الإنفاق وعدم تلبية المعروض من السلع لحجم الطلب المتزايد بسبب النهضة غير المسبوقة التي كانت تشهدها المملكة، وارتفاع حجم المعروض من النقود بعد زيادة إيرادات الدولة بشكل كبير بعد ارتفاع أسعار النفط. ومع تراجع أسعار النفط في الثمانينات بدأت تتراجع معدلات التضخم،، حتى كانت في أقل مستوياتها في منتصف الثمانينات إلى بداية التسعينات، التي شهدت ارتفاعا لمعدلات التضخم لفترة محدودة، بسبب ارتفاع أسعار النفط خلال حرب الخليج الثانية وزيادة حجم إنفاق الدولة، لتعاود الانخفاض مرة أخرى بعد تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولم ترتفع بشكل ملحوظ إلى أن عاودت أسواق النفط الارتفاع مرة أخرى، وهو ما يعيدنا للتساؤل مرة أخرى، هل سيؤدي تراجع أسعار النفط في الفترة المقبلة إلى تخفيض حجم إنفاق الدولة على المشاريع الحكومية، وبالتالي تراجع مستوى السيولة النقدية في السوق المحلية، إلى تراجع في الأسعار وتراجع في حجم التضخم الذي أصبح يعاني منه المواطن بالرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لتخفيف هذا التأثير، وفي رفع القوة الشرائية للريال. في رأيي البسيط نعم سيؤدي تراجع أسعار النفط إلى تراجع معدلات التضخم، حتى وإن كانت لها علاقة بمسببات خارج السوق المحلي، فاستمرار انخفاض أسعار النفط، وهو ما لانتمناه طبعاً بحكم أنه هو المصدر الأول لإيرادات الدولة وللخدمات التي تقدم للمواطن والمحرك الأول للتنمية في بلادنا، سيؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة في الأسواق الدولية وهو ما سيؤدي بدوره إلى تخفيض تكاليف الإنتاج في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات. وأما ما يخص السوق المحلي، فسيؤدي تراجع حجم السيولة المتوفر سواء لدى الأفراد أو الشركات إلى تراجع الطلب على المواد وعلى الأيدي العاملة، وسيكون حجم المعروض أكثر من الطلب، وقد يؤدي أيضاً إلى تراجع في أسعار الإيجارات والعقارات، التي قد تكون حالياً هي الأكبر تأثيراً عند احتساب معدلات التضخم في السوق المحلية.