لم نتعلّم بعدُ! يبدو أنّ هذه الأمة بحاجة إلى مزيدٍ من الدماء حتى تفهم درسَ الطبيعة وسُنّة الله في الحياة! منذ الانقسام السياسي الأول الذي قسم الأمة إلى نصفين وإلى الآن نارُ الطائفيّة تخمد حيناً وتشتعل أحياناً، والخسارةُ أكبر من التاريخ، وحياةُ العرب تتقدّم إلى الوراء! قُتل الجعد بن درهم في مسجد الله بسبب رأيٍ اعتنقه رأى -ديانةً لله- أنه الحقّ! وحورب البخاريّ وأُوذي في نفسه، وكذلك فُعِل بابن عقيل والطبري الذي قيل إنه حوصر وضُرب في منزله من بعض طلبة العلم حتى فقد وعيه، والنسائيُّ لمّا قَدِم الشامَ ضربه أنصار بني أميّة لأنه لم يكتب في فضائل معاوية كما كتب عن فضائل عليّ! وسحلوه في شوارع دمشق حتى مات! وامتُحِن أحمد بن حنبل لأنه رفض أن يقول إن القرآن مخلوق، وتسلّط المعتزلة حينما دالت لهم الدولة، ثم انقلب الحال فأصبحوا مطلوبين للمشنقة! وتصارع الأشاعرة وأهل الحديث أزمنةً مديدة في بغداد؛ فإن كانت الغلبة للأشاعرة احتبس الفريق الآخر عن الجُمَع والجماعات، وإن كانت الغلبة لهؤلاء احتبس أولئك! وأمثلة كثيرة لا تعدّ ولا تحصى من ألف سنة حتى يومٍ فيه تفجّر القاعدة الحسينيّات في البصرة وبغداد، ويوم فيه يموت المصلّون في مسجد في ديالى، وحتى يوم فيه يتراشق أبناء المصير الواحد التكفير ويمارسون الإقصاء ويودّ أحدهم لو عضَّ على رقبة جارِه حتى يموت ليدخل بقتله الجنّة! متى سيملّ العربُ من شهوة الدم؟! لا شكّ أن هناك دولاً ومنظمات تستفيد من حالة التشرذم الطائفي الحاصل لدينا، ولا شكّ أنّ كثيراً من الدماء ستُحقن إن تُرك العربَ وشأنهم! لكن الأمل أن ينكشف الزيفُ الجاثم على صدر واقعنا وأن نسعى أفراداً ومؤسسات لرأب الصدع ونبذ التخلّف وسيادة قيم العدالة والحوار وحقّ الاختلاف والتعدّد. ككلِّ الأمم التي عرفَت أنّ الاختلاف أمرٌ طبَعَيُّ يجب أن نكون، ككلِّ البلاد التي آمنت بحفظ الحقوق واحترمت حقّ الآدميِّ في التنوع والتعدّد يجب أن نسعى، كأيِّ أمةٍ رأت أن الدماء لا تنتج حضارةً يجب أن نرى، كأيِّ بشرٍ أمنوا بتغلّب الحوار والشورى والصندوق ونبذوا التغلب بالسيف أو بالإقصاء أو بالدماء يجب أن نفعل! وإن كان هذا تغريباً فأهلاً بالتغريب الذي يحمل الحضارة والعدل!