كتب كارل ماركس كتاباً كاملاً يحمل عنوان (بؤس الفلسفة)، وتمنى اليهود أن يعمر أحدهم (ألف سنة) وكتب نفس الشيء الأمير الأندلسي كما رأيت ذلك في مقبرة المعتمد بن عباد في أغمات قريبا من مراكش ورأى الفيلسوف شوبنهاور (SCHOEPENHAUER) أن الطبيعة تسحق (الفرد) دون رحمة ولا تبالي، وتحافظ على (النوع) بعشق وضراوة وإصرار، فبقدر ما يتسلط الموت على قدر الأفراد بقدر ما تحافظ الحياة على النوع! إذا لم تصدقوا راقبوا أي شجرة بين سقوط الورق وامتداد الغصن! وتأمل الفيلسوف الرواقي (أبكتيتوس EPICTITUS) مائدة الحياة أنها دلالة إيجابية على أنه لا يوجد في الحياة شر إلا من خلال موقفنا منه، وبتغيير موقفنا لا يبقى شر، وبكى بحرقة الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) وهو يرى الموت يختطف كل عبقرية الإنسان المتألقة في رابعة النهار فكتب بنوع من الاختناق الفكري في كتابه لماذا أنا لست مسيحياً في فصل عبادة الرجل الحر: (أن يكون الإنسان نتاج أسباب لا تملك العدة اللازمة لما تحققه من غايات؛ ولأن تعجز أي حماسة مشبوبة أو بطولة أو أي حدة في التفكير عن الإبقاء على حياة فرد واحد فيما وراء القبر، ولأن يكون الاندثار هو المصير المحتم لكل عناء الأجيال، ولكل التفاني ولكل عبقرية الإنسان المتألقة تألق الشمس في رابعة النهار، لا يجعل بناء موطن الروح في أمان إلا في إطار من هذه الحقائق، على أساس راسخ من القنوط المقيم). وراهن الدين على خلود بلا موت، وشباب بلا شيخوخة، وعافية دون نصب ولا لغوب ومرض وقلق، وسعادة لا يعكرها غل أو كبر أو حزن. وتقرِّب البيولوجيا اليوم مفهوم امتداد الحياة بدليل من عالم الشهادة وآيات من عالم الآفاق والأنفس (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). وصف المؤرخ البريطاني ( ه . ج. ولز H . G . WELLS) عبور الإمبراطور الفارسي (كزركسيس XERXES) مضيق الدردنيل (HELLESPONT) عام 480 قبل الميلاد لاجتياح بلاد اليونان في كتابه (معالم تاريخ الإنسانية) على الصورة التالية: (حتى إذا نظر فرأى الهيلسبونت تغطيه السفائن ورأى كل شواطئ سهول أبيدوس غاصة بالرجال، قال عن نفسه إنه لسعيد، وما لبث بعد ذلك أن هملت عيناه بالدموع فسأله عمه أرطبانوس فإنك قد وصفت نفسك رجلاً سعيداً تذرف الدمع الآن فأجاب الملك: أجل إني بعد أن أحصيتهم عدداً دار بخلدي إحساس بالشفقة والحسرة لتذكري كم حياة الإنسان قصيرة، لعلمي أنه من بين هذا الجمع الحاشد لن يكون واحد حياً بعد أن تمضي مائة من السنين). وهكذا فموقف الإنسان من الحياة والموت نابع من تصوره لهذه الحقيقة، التي هي أعظم الحقائق، وهي أول ما عالجها القرآن في عملية إنقاذ الضمير من الحيرة والتشتت والكآبة والسوداوية. إنه انعتاق وحرية الضمير أليس كذلك؟.