"محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    محترفات التنس عندنا في الرياض!    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بداية العد العكسي للتفجير في لبنان
نشر في أزد يوم 17 - 02 - 2014

قدر لبنان مرتبط بمصير سورية
عندما كنا نقول قبل أشهر في أكثر من مقال، أن لبنان وضع في الثلاجة في إنتظار العاصفة، فلأن كل المعطيات السياسية والمؤشرات الموضوعية المرتبطة بالصراع في المنطقة كانت نؤكد، أنه لا يمكن عزل لبنان عما يدور في سورية، وأن مصير هذا البلد مرتبط بشكل بنيوي بنتائج الحرب في سورية.
غير أن تعثر قاطرة التغيير الأمريكية في بلاد الشام، والإنفجار المفاجأ للأوضاع في مصر عقب ثورة 30 يونيو الأخيرة، التي إعتبرها المصريون ثورة جديدة لإستعادة الدور والهوية، والتي ما كان لها أن تشتعل ضد نظام الهيمنة الأمريكية وأدواته العميلة في السلطة (الإخوان)، لولا صمود سورية للسنة الثالتة في حرب الهيمنة الصهيوأمريكية الأعنف والأشرس في تاريخ الحروب بالمنطقة.
جوهر الصراع و أهدافه وأدواته
ومعلوم اليوم للجميع، أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تسعى الإدارة الأمريكية لإقامته بالمنطقة، كان يهدف لتكريس إنفرادها بالقرار السياسي الدولي والإقليمي، واحتكار خيرات ومقدرات الشعوب العربية بلا منازع أو منافس، مع ضمان أمن وإستقرار وإزدهار إسرائيل في المنطقة، أقله ل 60 سنة قادمة كما أعلن الرئيس ‘بوش الصغير' ذات خطاب.
ومن باب التذكير، لنبني على الشيىء مقتضاه في التحليل، وضعت "الأنتلجنسا" الأمريكية مجموعة أهداف إستراتيجية وتكتيكية مرحلية لتحقيق هذا المشروع ‘الجيوبوليتيكي' الكبير، فجائت كالتالي:
- تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ما يقتضي تقسيم الفلسطينيين فيما بينهم ابتداءا (الضفة و غزة)، ثم العمل على تغيير عقيدتهم من خيار المقاومة إلى خيار المساومة، وانتهاءا بإقامة مفاوضات حول الوضع النهائي بإشراف أمريكي حصري، وفق الشروط الإسرائيلية، مع توطين اللاجئين في البلدان التي يتواجدون بها بعد تغيير أنظمتها وعقيدتها القومية.
- ضرب محور المقاومة في المنطقة ومحاصرته بهدف تفتيته وإضعافه وعزل شرايين التواصل فيما بينه، وخاصة حزب الله الرافض لخيار المساومة، مع التركيز على نزع شرعيته وتشويه صورته إعلاميا، والعمل على تصنيفه كمنظمة إرهابية تمثل خطرا على لبنان والمنطقة، في أفق نزع سلاحه، حتى لا تبقى بندقية في لبنان مرفوعة في وجه إسرائيل.
- تخريب الجيوش العربية للدول الإقليمية القوية التي تروج لإديولوجية القومية العربية (العراق، سوريا، مصر)، وتقسيم هذه الدول لإضعافها كي لا تقوم لها قائمة تكون بعدها قادرة على إعلان الحرب على إسرائيل.
- ضرب إيران من خلال تشكيل تحالف إقليمي صهيوأمريكي – خليجي، يقوم بالهجوم على منشآتها النووية وتدمير مقدراتها العسكرية، لإضعافها ووضع حد لتمددها في المنطقة العربية، بعد إسقاط سورية ولبنان وتضييق الخناق على المعارضة الشيعية في دول الخليج بما في ذلك اليمن.
ولتحقيق هذه الأهداف الجهنمية، إختارت الإدارة الأمريكية استراتيجيتين أساسيتين: الأولى، تتمثل في تمكين الإسلام السياسي من السلطة في العالم العربي عبر ما أصبح يعرف اليوم ب"الربيع العربي". والثانية، إثارة الفتن الطائفية والمذهبية لتخريب دول الممانعة والمقاومة المجاورة لإسرائيل من الداخل (العراق، سورية، لبنان) عبر سلاح الإرهاب بالتحالف مع الأنظمة الإقليمية العميلة كالسعودية وقطر وتركيا والأردن، في حال لم تنجح ثورات الشعوب "السلمية" في تحقيق التغيير المنشود، الذي من شأنه توفير الظروف والشروط الملائمة لتصفية القضية الفلسطينية وضرب إيران في أفق محاصرة روسيا والصين.
ومعلوم أن الإستراتيجيتين المذكورتين تدخلان في إطار ما أصبح يعرف ب"الفوضى الخلاقة" و "الحرب الناعمة"، واللتان بموازات الأهداف الظاهرة الواردة أعلاه، وضعتا من قبل منتجي الفكر، وخبراء الإستراتيجيا، ومنظري التغيير في المجتمعات العربية، خصيصا لخدمة غاية شيطانية خفية، تتمثل في تخريب الإسلام من الداخل، وتحويله من دين نور ومحبة وجمال وعمار، إلى دين ظلام وكراهية وقتل وخراب، بفضل العقيدة الوهابية التي صاغها الإستعمار البريطاني لتمثل الوجه الخبيث للعقيدة التلمودية.. إقتناعا منه أن كل حركات التغيير الكبرى في العالم ما كان لها أن تتم إلا من خلال الإديولوجيا.
تفجير لبنان ضرورة إستراتيجية
بعد فشل مخططات تفتيت العراق وسورية ومصر من خلال الإرهاب والفتن المتنقلة، بسبب سوء الفهم العميق للتركيبة السوسيوثقافية للشعوب في هذه الدول الوطنية الكبرى، قررت الإدارة الأمريكية تفجير لبنان إعتقادا منها أن هذا البلد المنقسم طائفيا ومذهبيا وسياسيا يمثل مفتاح إندلاع الفتنة في المنطقة برمتها.
لأنه بخلاف العراق الذي لم ينجح الإرهاب في خلق حرب أهلية فيه بين السنة والشيعة والأكراد، تؤدي إلى تقسيم البلاد إلى دويلات ثلاث برغم سقوط الدولة ومؤسساتها بسقوط نظام الرئيس الراحل ‘صدام حسين' في حرب الخليج الثانية، وذلك لأسباب تاريخية حضارية وإجتماعية وثقافية ودينية يطول شرحها..
وبخلاف سورية التاريخ والحضارة، والتي توجد بها دولة عريقة وعميقة قوامها: العائلة الحاكمة، والجيش صاحب العقيدة القومية الثابتة، وقوى الأمن القاسية، والبيروقراطية الصارمة، ومنتجي الفكر من مثقفين وإعلاميين، ورجال دولة أقوياء، ورجال مال وأعمال ملتفين حول النظام، بالإضافة لعامة الشعب المتجانس والملتف حول الدولة التي تمثل الحضن الحنون الجامع لكل مكوناتها بإختلاف انتمائاتها الطائفية والمذهبية والعرقية وتنوع مشاربها وتوجهاتها..
وبخلاف مصر، "أم الدنيا" كما يحلو للمصريين تسميتها، باعتبارها صاحبة الحضارة العريقة والجيش الشعبي والقومي صاحب العقيدة العروبية والإسلامية المتينة، والذي قال عنه الرسول (ص) ذات حديث (جند مصر خير أجناد الأرض)، بالإضافة لقوة الدولة العميقة كما هو الحال في سورية، وانفتاح الشعب وانسجامه وتناغمه وتعايشه فيما بينه وبين بقية شعوب المنطقة..
لم تجد أمريكا أخيرا غير لبنان بتركيبته الطائفية والمذهبية الهشة، ودكاكينه السياسية الهجينة، المتنافرة في الإديولوجيا والمتصارعة في السياسة، والمختلفة حول الخيارات والأولويات.. كساحة مثالية للتفجير الطائفي والمذهبي في غياب الدولة ومؤسساتها، وتنوع الإنتماءات الداخلية لمكوناتها، والإرتباطات الخارجية لساساتها، في غياب ثقافة الإنتماء للوطن والخضوع للدولة ومؤسساتها وقوانينها (إلا من رحم الله).
ومعلوم أن مشروع الفتنة في لبنان ليس بجديد، حيث وبناءا على ما عاشه الشعب اللبناني من سابقة دموية عنيفة وطويلة خلال الحرب الأهلية التي دامت لأزيد من عقد من الزمن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. وبعد فشل أمريكا وإسرائيل في إفتعال حرب أهلية جديدة يكون وقودها فتنة مذهبية طاحنة بين السنة والشيعة، بإقدامهما على قتل الرئيس الراحل ‘رفيق الحريري' عام 2005.. وبعد فشل إسرائيل بدعم لا محدود من أمريكا وحلفائها في الغرب والمنطقة في ‘سحق' حزب الله ونزع سلاحه واجتثاته من جنوب لبنان في حرب ال 33 يوما عام 2006.. أدخل لبنان إلى الثلاجة في إنتظار إسقاط النظام في دمشق، وتفتيت الجيش العربي السوري وتقسيم بلاد الشام، ما سيسهل حينها تقسيم لبنان، وتهجير المسيحيين لتوطين الفلسطينيين.
لهذا قال المراهق السياسي ‘سعد الحريري' قبل أيام، متأثرا بالرؤية الصهيوأمريكية والوهابية للبنان "المستقبل"، موجها انتقاذه لسيد المقاومة بسبب إنخراطه في الحرب على التكفيريين في سورية، معيبا عليه عدم طرح فرضية الفشل بقوله: "وماذا لو سقط النظام في سورية؟".. في حين أغفل هذا العميل الصغير عن جهل بالسياسة، وغباء بالإستراتيجيا، وانسداد في الرؤية، وعدم قدرة على قراءة الأحداث، وإدراك أبعاد تطورات الصراع، وفهم مؤشرات تغير موازين القوى في المنطقة والعالم.. أقول، أغفل هذا "المغفل" أن يطرح السؤال البديل الذي يبدو اليوم أكثر بداهة، ومؤداه: "وماذا لو صمد الأسد وانهار النظام في السعودية، ما دام سقوط النظام في سورية خط أحمر وضعه حزب الله بالتوافق والإتفاق والتنسيق مع الإيراني والروسي؟"..
وفي محاولة تبريرية بائسة، لربط العملية الإرهابية الأخيرة التي ضربت المدنيين الأبرياء في الضاحية الجنوبية بالحرب في سورية، أقل ما يقال عنها، أنها تعبر عن نفسية الرجل المريضة، و وضاعة أخلاقه، وإنحطاط مستوى تفكيره، قال ‘الحريري': " تفجير الضاحية جريمة إرهابية، لكن تدخل حزب الله في سورية جريمة كذلك" (؟؟؟).
متى سينفجر لبنان؟
بعد خطاب سماحة السيد الأخير من ‘عيتا الشعب' بمناسبة ذكرى إنتصار تموز 2006، وإعلانه أن قرار تفجير لبنان قد اتخذ، وأن القادم من الأيام يقتضي إتخاذ ما يلزم من إجراءات وإحتياطات لعدم السقوط في فخ الفتنة التي تسعى قوى الشر الدولية والإقليمية والمحلية لإشعالها في لبنان من خلال "الإرهاب".. لم يعد اللبنانيون يتسائلون إن كان لبنان مقبل على الإنفجار الكبير أم لا، بل أصبح الجميع يتسائل عن التوقيت.. ويتخوف من أن يسقط البلد كله في "الهاوية"، بعد الإنذار الأخير قبل "الهاوية"، الذي وجهه سماحة السيد للتكفيريين وداعميهم في لبنان والمنطقة.
وإذا كان سماحة السيد قد إعتبر من خلال العديد من خطاباته وفي بعض من إطلالاته الإعلامية خلال السنوات الأخيرة، أن "الفتنة" المذهبية "خط أحمر" في لبنان، فلأنه كان يدرك بعمق فهمه للتاريخ، ومعرفته بطبيعة الصراع وأهدافه وأدواته، أن السقوط في فخ الفتنة هو إنتصار للمشروع الصهيوأمريكي وأدواته في المنطقة.. لذلك كان يواجه الإتهامات والإستفزازات والدسائس والمؤامرات بالصبر إيمانا وإحتسابا، ويحاول في كل مرة توجيه رسالة قصيرة قاطعة حاسمة للبنانيين والعرب والمسلمين، مفادها، أن عدم إشتعال نار الفتنة في لبنان معناه سقوط أهداف الأعداء وانتصار نهج المقاومة... لكن؟...
إذا كانت الفتنة قدر.. فقاتل قتالك لا مفر
لا أحد يشك ولو لحظة واحدة في قدرة حزب الله على قلب الطاولة في لبنان متى شاء وفي وقت أقصر مما يتصوره الأعداء، لكن هذا الخيار لم يكن يوما من أولويات المقاومة التي تؤمن بمبدأ العيش المشترك في إطار الدولة القوية بكل مكوناتها.
كما أن لا أحد يعرف ما يدور في رأس سماحة السيد حسن نصر الله اليوم إلا سماحته، لكن من استقراء الأحداث ومؤشرات الضغط والثوثر الداخلية، وأوراق اللعبة السياسية الخارجية وخيوط إمتداداتها للساحة اللبنانية، يستطيع المتابع استشراف تباشير الكارثة التي أعدت للبلاد في القادم من الأيام، بحيث لم يعد من الممكن تفاديها، حتى لو حاول حزب الله ذلك، خصوصا بعد أن قررت أمريكا ومعها السعودية وقطر والأردن وتركيا تدفيع حزب الله ثمن إفشاله مشروع إسقاط سورية.
وفي إنتظار الكارثة، كثيرة هي التفاصيل التي تضيع في زحمة الأحداث والتقارير والأخبار، وكثيرة هي التحاليل التي لا ترى من الصورة إلا جانبها المظلم، بسبب دخان الصواريخ والتفجيرات الموجهة للضاحية الجنوبية حصريا، معقل المقاومة وبيئتها الحاضنة، انتقاما من أشرف الناس، وأعظم الناس، وأشجع الناس.. أولائك الذين يهابهم الموت، ويتحدون أعتى جيش صهيوني في المنطقة، ويواجهون اليوم أخطر الجماعات التكفيرية إجراما وتخريبا وسفكا للدماء في سورية، وفي لبنان كذلك، بعد أن تجمعوا بعشرات الآلاف استعدادا للواقعة.
كيف أصبحت "الفتنة" خيارا لتدمير لبنان
عندما أعلن سماحة السيد الحرب على التكفيريين في سورية لحماية لبنان، لم يكن يتصور أن بندر بن سلطان سيحدو حدوه، فيتحداه، ويرسل له التكفيريين ليحاربوه في عقر داره، في الجنوب المقاوم، الذي تحول في ذاكرة شرفاء الأمة إلى رمز العزة والإنتصار.
عندما قال حزب الله ذات خطاب، أن الفتنة خط أحمر لن نسمح بها في لبنان، لم يكن يظن أن بندر بن سلطان، سيتحداه يوما فيتجاوز خطه الأحمر من خلال إشعال الفتنة في لبنان.
عندما قرر حزب الله التحول من قوة محلية تقاوم الإحتلال الصهيوني إلى قوة إقليمية تحارب أدوات أمريكا وحلفائها الأقوياء في المنطقة، لم يكن يتصور أن قوى الشر كانت تحضر له كماشة قاتلة تجمع التكفيريين في الشمال والصهاينة في الجنوب ل"سحقه" وفق التعبير الدقيق الذي تحول إلى هدف لحرب خبيثة مخطط لها ضد المجاهدين في سبيل الله، ليدفعوا ثمن مغامرتهم التي رفعت رأس الأمة في تموز 2006، وعقابا لهم على تورطهم في الحرب الكونية التي تخاض ضد سورية، والتي أملتها ضرورات حماية الكيان والوجود.
هكذا قرروا النفاذ من نقط ضعف حزب الله، فضربوا "معاقله" وأرهبوا وقتلوا أناس شرفاء وأبرياء من حاضنته، وقرروا تكثيف الضربات من خلال الصواريخ والسيارات المتفجرة ل"عرقنة" لبنان وإدخاله في دوامة الكارثة.. تلك التي حذر منها سماحته وأنذر بأنها ستكون ك"الهاوية" التي سيسقط فيها لبنان، كل لبنان.. ما دام الهدف الأول والأخير يكمن في أن لا تبقى بندقية واحدة مرفوعة في وجه إسرائيل.
إسرائيل تسكر كل يوم بالدم الذي يجري في سورية، وترقص على وقع الأشلاء التي تتطاير في جنوب لبنان.. وتراقب سباق الموت ونار الحرائق في شوارع مصر.. وتقول، أنها لا تريد أن تتدخل سوى بالتحريض وتسليح القتلة وعلاج الإرهابيين في مستشفياتها، فقط لا غير.. حتى تحول الجيش الصهيوني إلى أعظم جيش في "الإنسانية"، بشهادة مفتي الناتو الجنرال يوسف باشا القرضاوي، له من الله ما يستحق.
لا يمكن لأي محلل موضوعي اليوم القول أن لبنان قد ينجو من "الهاوية" في حال أعلنت الدولة الحرب على الإرهاب بلا هوادة.. لأن لبنان هو اليوم بلد اللا دولة، تتجاذب قراراته السياسية والأمنية قوى عميلة لا ترقب في لبنان إلاًّ ولا ذمة.
لإن نجاح الحرب على الإرهاب يتطلب إعتماد مخطط متكامل بإستراتيجيات أربعة، تنفذ بالتوازي ويكون لها غطاء سياسي جامع:
الإستراتيجية الأولى: تقتضي أن تكون للبنان تدابير وقائية ناجعة، تجند لها كافة عناصر وأفرع المخابرات لجمع المعلومات، ورصد الإتصالات، وتعقب التحركات، وتجنيد شبكة المخبرين، وتنفيذ المداهمات والإعتقالات القبلية أثناء مرحلة التخطيط والإعداد للعمليات الإرهابية لا بعدها، مع تشديد مراقبة كافة منافذ البلد البرية والبحرية والجوية.. وهو ما لا يتوفر في الحالة اللبنانية، وذلك:
نظرا لتدفق اللاجئين وبينهم التكفيريين والإرهابيين من جبهة النصرة والجيش الحر وعناصر القاعدة من كل حذب وصوب..
نظرا لتدفق السلاح من الحدود السورية وميناء طرابلس دون رقيب أو حسيب..
نظرا لوجود بيئة حاضنة للإرهابيين في المناطق المغلقة التي يتحكم فيها تيار المستقبل كطرابس وعرسال ومجدل عنجر وصيدا وغيرها..
نظرا لوجود خطاب مذهبي تكفيري منفلت من عقاله، يستعمل بيوت الله ليحرض على القتل بإسم الله خدمة لأهداف يرسمها بالأساس أعداء الله وأعداء لبنان..
نظرا لوجود ارتباطات سياسية دولية وإقليمية تنفذ أجندات خاصة تخدم مصلحة إسرائيل في المنطقة على حساب مشروع المقاومة الذي يقاتل من أجل التحرير ويناضل من أجل بناء الدولة القوية السيدة العادلة..
نظرا لوجود كل مخابرات الغرب والشرق تسرح وتمرح في الساحة اللبنانية كيف تشاء وتحيك المؤامرات والفتن كما تريد..
نظرا لأن شعبة المعلومات لصاحبها "الحريري" ترفض الإنخراط مع مخابرات الجيش وقوى الأمن العام لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتنفيذ العمليات، وتلتزم بتعليمات سيدها وولي نعمتها، التي تقتضي عدم المساس بالنازحين السوريين وعدم دخول مناطق "سنية" محرمة كي لا يغضب أهل السنة والجماعة من أتباع "السلف الصالح" – الذي لم يكن كله صالحا – فيعتبر الأمر استهدافا للطائفة السنية الكريمة.
الإستراتيجية الثانية: تقتضي أن يتوفر قرار سياسي قاطع حاسم ونهائي، بضرب الحاضنة اللوجستية للإرهاب، لإجتثاته من جذوره، وضرب أوكاره وتجفيف منابعه، في حرب بلا هوادة، لا تترك للإرهابيين فرصة التفكير والتخطيط والحركة، توفر لها جميع الإمكانات البشرية والمادية والتقنية والتكنولوجية، مع التركيز على الأوكار التي تسمح للإرهابيين بإعداد وسائل القتل من سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وغيرها.. ونقصد بذلك المخيمات الفلسطينية العصية على الإختراق من قبل قوات الأمن والجيش لأسباب سياسية تضرب سيادة الدولة اللبنانية وأمن شعبها في الصميم، خوفا من استنساخ حرب "جند الشام" أو إندلاع حرب أهلية على شاكلة حرب 1975 التي انطلقت من المخيمات الفلسطينية.
الإستراتيجية الثالثة: تقتضي تجريم الخطابات التحريضية المتطرفة الدينية منها والسياسية، ووضع منظومة قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب تحرم مثل هذه الظواهر الشادة وتخضع أصحابها للمسائلة القانونية الصارمة.. ويدخل في ذلك تقنين إستعمال المساجد ومنبر رسول الله (ص) يوم الجمعة إلا للدعوة إلى لله، والحث على المحبة والفضيلة والتآخي ومكارم الأخلاق، ومنع أي إنزلاق من شأنه تحويل دور العبادة إلى أوكار للإرهابيين، ومخازن يكدس بها السلاح كما حصل بمسجد "رباح" مع إمام الجهل والضلال المدعو "الأسير" ورفاقه بصيدا، والذي لا يزال يسرح ويمرح آمنا هو والمدعو ‘شكر فاضل' في مخيم ‘عين الحلوة' وفق ما أفادت آخر المعلومات.
الإستراتيجية الرابعة: تقتضي المعاملة بالمثل من خلال مخططات سرية تنفذها مخابرات الدول الحليفة للمقاومة، لضرب مصالح الدول الراعية والداعمة للإرهاب في المنطقة وفي عقر دارها، من خلال تجنيد المعارضة المتطرفة لزعزعة الإستقرار الداخلي في بلدان الأنطمة العميلة والمنخرطة في الحرب الإجرامية على محور المقاومة. وفي إطار ذات الإستراتيجية، هدد قبل يومين الرئيس العراقي بإعتمادها ضد السعودية إذا لم تنتهي من إجرامها وقتلها للمدنيين في العراق، وذهب نائب الرئيس العراقي حد إتهام الأمير بندر بن سلطان بمحاولة تقويض الدولة العراقية من خلال الإرهاب. وتجذر الإشارة، إلى أن هذه الإستراتيجية الهجومية الخطيرة، لا تعني المقاومة في لبنان بقدر ما تهم مخابرات دول محور المقاومة لإعتبارات تتعلق بالبنى السياسية والأمنية والديبلوماسية التي تتوفر عليها الدول، لا المنظمات. وهذا هو الوجه الخفي للحرب الحديثة اليوم في العالم.
أما دون ذلك، فكل حديث عن حوار مع الإرهابيين يدخل في مجال العبث.. كما أن كل كلام عن مراجعة فكرية تؤدي لتوبة التكفيريين هو مضيعة للوقت، لا طائل من ورائه وفق ما أكدته عديد التجارب في هذا المجال.. لأن الإرهاب لا يحارب بالحوار والمراجعة الفكرية، بل بإجتثاته من الجذور باعتباره جينة الشر المطلق التي تجري في جسد الإرهابي مجري الدم والهواء، فيشكل بالتالي خطرا جسيما محدقا بالمجتمع والدولة.. ومكان الإرهابي لا يكون إلا في القبر أو من وراء الشمس، ليرتاح الناس من تهديده لأقدس المقدسات، المتمثل في "الحق في الحياة"، الذي جرمت شرائع الأرض وتعاليم السماء المساس به من غير وجه حق.
استحالة نجاح الحرب على الإرهاب في لبنان
وحيث أن وضع لبنان السياسي والمؤسساتي، وتركيبته الطائفية والمذهبية المتحدية للنظم والقوانين، والعابرة للمؤسسات، والمتموقعة ما فوق الدولة، لا يسمحان اليوم بالحديث عن حرب ناجعة وناجحة يمكن أن تقوم بها المؤسسات القائمة وفق الشروط الآنفة الذكر، فكل كلام عن مكافة الإرهاب إذن، لا يعدو أن يكون نوع من الديماغوجيا السياسية ليس إلا، للضحك على دقون الناس، وتمرير الوقت في إنتظار الكارثة التي تبدو أقرب إليهم اليوم من أي وقت مضى.
صحيح أن حزب الله إتخذ مؤخرا مجموعة إجراءات عملية وقائية ضد الإرهاب حتى لا يتكرر ما حصل من تفجيرات دموية بالضاحية الجنوبية، حيث دخل في تحالف أمني وتنسيق استخباراتي مع مخابرات الجيش وقوى الأمن العام (باستثناء شعبة المعلومات لصاحبها ‘الحريري')، وطلب على وجه السرعة من إيران تزويده بمعدات تقنية وتكنولوجية جد متطورة تساعد في اكتشاف ورصد المتفجرات في مربعاته الأمنية.. وهي إجراءات قد تحد من مخاطر التفجيرات، لكنها لا تلغيها بالكامل.. ولا تلغي عمليات إستهداف الضاحية بالصواريخ ولا مخطط الإغتيالات.
في إنتظار الكارثة
لكن الإنذار الأخير قبل "الهاوية"، الذي وجهه سماحته في خطاب ‘عيتا الشعب'، بلغة واضحة، قد فهم منه الجميع أن صبر حزب الله بدأ ينفذ، وأنه لا يستطيع السكوت بعد تفجير "الرويسي" عن مثل هذه الجرائم القذرة التي تستهدف أهله وناسه، باعتباره المسؤول عن حمايتهم بكل الوسائل والسبل الكفيلة بإبعاد شبح الخوف وخطر الإرهاب عن مساكنهم ومحلاتهم، ما دامات الدولة عاجزة عن تأمين الحماية الواجبة لهم.
الرسالة وصلت لعراب الإرهاب الأكبر (بندر بن سلطان) وداعميه في المنطقة ولبنان.. وفي حال تكرر الأمر، وأصر أعداء المقاومة على الإستمرار في إستهداف بيئتها الحاضنة، فالجواب سيكون بحجم الكارثة، ولا يستطيع أحد اليوم معرفة طبيعته ومستواه ومجاله الذي لن ينحصر في لبنان فقط..
ولأن لا أحد يستطيع معرفة ما يدور في رأس سيد المقاومة حسن نصر الله إلا سماحته.. فلا تجربوه مرة أخرى...
ودعو الشعب السوري يقرر مصيره بسلام دون تدخل من أحد.. وإلا، فالدم سيسيل أنهارا في كل المنطقة كما أكدت إيران على لسان وزير خارجيتها ‘محمد جواد ظريف' قبل يومين.
خاص بانوراما الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.