الوعي بأهمية احترام الأنظمة – عامة – لا يتحقق إلا بتطبيق العقوبات، وعدم التساهل في متابعة المخالفين، وتبني الجهات المعنية للقضايا التي تقع ضمن اختصاصها – وهو ما تفعله الهيئة السعودية للحياة الفطرية – التي تتعرض محمياتها لبعض التجاوزات، وتلقى بعض الكائنات خارجها عمليات صيد جائرة، ويضاف إلى ذلك عمليات الاحتطاب الجائرة لبعض الأشجار – كشجرة الغضا في منطقة القصيم – ما يهدد بفنائها وانقراضها، وتهديد شجرة الأراك بعمليات الاقتلاع الكامل لها في منطقة جازان. يقول الأمير بندر بن محمد آل سعود – رئيس الهيئة – في كلمته الافتتاحية على موقعها الرسمي على الشبكة الإلكترونية: «بأنها تعمل منذ إنشائها بتطوير وتنفيذ خطط؛ للتصدي للأخطار المحدقة بالحياة الفطرية في البر والبحر، وإعادة تأهيل الأنواع التي انقرضت من البرية، والأنواع المهددة بخطر الانقراض مستهدفة إعادة التوازن البيئي للنظم البيئية الطبيعية». لقد تداول الناس صور الإبادة الكبيرة للضبان، وأنواع من الطيور التي تفاخر من قاموا بذلك الفعل غير آبهين بالتعليمات ما يستدعي الوقوف في وجوههم، والضرب على أيديهم بقوة حماية للحياة الفطرية، ومنعاً للإسراف الذي لا يرضاه دين ولا عقل. لقد فعلت الجهات المسؤولة خيراً بالقبض على ممثل قام بتعذيب ثعلب – بعد أن سرى المقطع بين الناس – فعل ذلك في حضرة أصدقائه الذين كانوا يحثونه على مواصلة الإيذاء وهم يضحكون، وخرج – بعد أيام – شابان متضامنان معه، وقتلا ثعلبا انتصاراً لصاحبهما في تصرف لا ينم عن ذكاء، ولا يشي بقليل من الحكمة. وجاءت – أخيراً – حماقة الشبان بحرق ثعلب آخر، وهو فعل يحرمه الدين، وتأباه الأخلاق الحميدة، وتأنفه الشيم العالية، ولا يقدم عليه إلا من تجرد من إنسانيته، وقد توعَّد سمو رئيس الهيئة بملاحقة المتورطين والقبض عليهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم عقاباً رادعاً. فهل نحن بحاجة إلى إنشاء هيئة لحقوق الحيوان؟ إن التراث العربي زاخر بالقصص عن علاقة ورفق الإنسان العربي بالحيوان، ومن الشواهد الكثيرة: معلقة لبيد العامري – رضي الله عنه – تبيِّن ذلك التعاطف، وقصة الطائي التي جرت مثلا في قولهم: «أحمى من مجير الجراد»، وقصة المرأة التي أرضعت جرو ذئب فأكل شاتها، فتفهمت حالته الفطرية فكان عتابها منطقياً في قولها: أكلت شويهتي وفجعت قلبي ** وأنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدرها ورضعت منها ** فمن أنباك أن أباك ذيب ثم جاء الإسلام فوضع الرفق في منزلة كبيرة ينال بها الإنسان الأجر العظيم. أيعلم هؤلاء الحمقى أنه سيلاحقهم عار فعلهم الشنيع – وربما ورثوه لأبنائهم من بعدهم – خاصة أن ذاكرة مجتمعنا لها قوة عالية في الاحتفاظ ببعض الأحداث الغريبة. يتوق الإنسان السوي إلى الأفعال السامية التي تعلي شأنه، وترفع من قدره، وتزيد من قيمته، ويحرص على كل فعل يحقق له ذاته؛ ليكون في منزلة معتبرة جديرة بالتقدير والاحترام في مجتمعه، ويأبى كل فعل أو قول يحط من قدره أو يهبط به إلى درجة متدنية تعيبه. افترق الثنائي السعودي «السدحان والقصبي» كافتراق الثنائي الكويتي «حسين وسعد» الذي كان من بين أعماله المميزة مسرحية «على هامان يا فرعون» حيث كان لكتاب «الزعفراني» فيها حديث عن أبي الحصاني في مشهد فكاهي رائع. ولأمير الشعراء قصيدة بعنوان: «الثعلب والديك» وهي ذات مغزى تعليمي يقول في آخرها: فأجاب الديكُ عُذْراً ** يا أضَل المهْتَدينا بَلِّغ الثَعْلَبَ عَني ** عَنْ جُدودي الصالحينا عن ذَوي التِيجان مِمَّن ** دَخَلَ البَطْنَ اللعينا إنهم قالوا وخَيْرُ ال ** قَوْلِ قَوْلُ العارفينا « مُخْطِئ ٌمَنْ ظَنّ يَوماً *** أنَ لِلثَعْلَبِ دينا» تم تداول مقطع لشابين في سيارة جيب توقفا، وحملا معهما ثلاثة عمال، وأخذا يستعرضان بسيارتهما بحركات بهلوانية خطرة كان من الممكن أن تودي بحياة الجميع أو تصيبهم بأضرار أو تتسبب لهم بعاهات مستديمة. إن بعض شبابنا لا يعرفون الرفق بالمشاة أثناء عبورهم بل يتعمدون مضايقتهم، ويحاولون إرباكهم أو تخويفهم، وصدق أبو العتاهية حيث قال: إنَّ الشَبابَ والفَراغَ والجِدَة ** مَفسدةٌ للمرءِ أيُ مَفسدة إن جميع من قاموا بهذه السلوكيات المرفوضة هم من أبنائنا الذين تربوا في مجتمعاتنا، وهم من مخرجات تعليمنا الذي يقوم على الالتزام بالقيم الإسلامية، ويحث على سلوكها في كل التصرفات! كان الأوائل أصدقاء للبيئة يصيدون ما يحتاجونه فعلا؛ لسد جوعهم، وكانوا يقطعون ما يَبُسَ من الشجر عند الحاجة. وقفة: يفخر قوم بأن جدهم كان رفيقا للذئب – خوي الذيب – فما الذي سيفخر به أحفاد من عذبوا «الحصني» أو أحرقوه؟