يعد مصطلح الثقافة عنصراً فاعلاً في تشكيل الوعي الإنساني بمختلف مستوياته العقدية والفكرية والوجدانية والقيمية. إنها ظاهرة إنسانية، ودعامة من دعائم نهضة الفرد والمجتمع، وأداة فعّالة لصقل المواهب وتنميتها، كما أنها عملية متجددة تواكب المتغيرات، وليست صيغة جامدة ترفض التغيير؛ بل هي نتاج تراكم بشري فكري معرفي، ينمو ويزداد عمقاً واتساعاً بجهود البشر؛ فثقافة العصور الأولى ليست كثقافة اليوم وتنوعاتها وامتداداتها. لقد احتلت الثقافة في هذا الزمن المتسارع منزلة رفيعة ساهم في هذا التدفق الثقافي التفاعل مع ثقافات الآخر، وقفزة الثورات التقنية الهائلة؛ فأضافت هذه الامتدادات الحديثة الجديد والمفيد مع الاستناد على إرث ثقافي باذخ له قامته وقيمته في تكوين النسيج النفسي والاجتماعي والفكري نأخذ منه ما تقتضيه حاجتنا اليوم مع الإقبال على الثقافة المعاصرة فنقتبس من ثقافة الآخر ما تحتاجه ثقافتنا لتحقق معاصرتها ومواكبة المتغيرات، ولا سيما في ميدان العلوم المستحدثة والتقنية؛ إذ تلتزم الثقافة المتزنة بالثوابت والموروثات دون حجر على الفكر الواعي وإساءة لمفهوم الحرية؛ إنها ثنائية التكامل لا ثنائية التضاد والتقابل، وقد أحسن الدكتور عبدالمعطي الدالاتي صياغتها بقوله: «لن تمتد أغصاننا في العصر حتى نعمّق جذورنا في التراث» فالمواءمة بين الموروث والجديد يحفظ للأمة هويتها ويجدد طاقتها نحو النماء والتقدم. وينطلق هذا البناء المتراكم من الرغبة القوية والملحة للإنسان الواعي بحيث يجد نفسه بعد سنوات من الاستمرارية منهلاً جارياً من الأفكار النيّرة، والمعارف المختلفة، والتجارب الحكيمة، والأحداث المتنوعة لتعزيز إنسانيته. الإنسان المثقف ثقافة واعية يجد كل أمور حياته سهلة ، فلا تستوقفه العقبات والمتاعب ؛ لأنه أصبح مزوداً بالعلم والحقائق. يستنتج ويتوقع الأفضل، ويعالج قضاياه ويتعايش معها بلا خوف أو وجل. ومفتاح الشخصية المثقفة أن تجتهد في الاطلاع على نتاجات الفكر الإنساني المقروءة والمسموعة والمتنوعة والشاملة إلى جانب تخصصه، يبدأ على مهل ويحبب نفسه في هذا التوجه حتى تصبح هذه الهواية إدماناً لا يستطيع العيش دونه فلا يضيع نفسه في الحديث التافه، والحوار السخيف؛ بل يقوي علاقته بمن قويت ثقافته ونضج فكره وهُذب ذوقه، لتتسع مداركه، وتتفتح آفاقه، وتتعدد مشارب ثقافته، يقول أحمد أمين في وصيته لابنه: لا تظن أنك تستطيع أن تكون مهندساً عظيماً بقراءاتك في الهندسة وحدها، ولا أن يكون زميلك طبيباً عظيماً بقراءته في الطب وحده ... فالعقل وحدة، وثقافته في أي موضوع آخر تفيده في الموضوع الذي تخصص فيه ؛ فكم من فكرة هندسية عظيمة من قراءة كتاب في الأدب أو في الاجتماع ! وكم أتت فكرة طبية سامية من ثقافة اجتماعية أو فلسفية !. وقفل كلامي: الثقافة رسالة ... نعم رسالة وليست حديثاً دائماً مكروراً عن تطوير الذات والنجاح، والاستشهاد بالمحفوظات والمنقولات، وتداول الحديث المستهلك والخرافات والشائعات أو ماذا قال أنشتاين وبرنارد شو وأنيس منصور ومصطفى محمود ... الثقافة أن يكون لك بصمة واضحة في الحياة لتصل إلى مستوى الحب والعطاء والتفاعل والإبداع بعيداً عن خداع الذات، أو كما يقول عبدالرحمن منيف: «الثقافة تتجاوز كونها مجرد تراكم معرفي إلى اعتبارها قناعة وموقفاً» فجسّدوا ثقافتكم الواعية في كلامكم وسلوككم بعيداً عن التهريج وتورّم الذات الفارغة.