رأى الفيلسوف الألماني (أوسفالد شبنجلر OSWALD SPENGLER) في كتابه (تدهور الغرب DECLINE OF WESTERN)، وهو كتاب في فلسفة التاريخ يجب أن يكون في متناول أي مهتم بالثقافة وفلسفة التاريخ، جنباً إلى جنب مع كتاب مختصر دراسة التاريخ ل (جون آرنولد توينبي)، وكتاب (معالم تاريخ الإنسانية) لمؤلفه ه . ج . ويلز، والأخير أعادت طباعته سلسلة الكتاب الألف الثاني في مصر، وهو تقليد جيد، وأتمنى أن يتم احتضان مثل هذه المشاريع لإعادة طباعة ذخائر الفكر الإنساني. يقول (شبينجلر) إن هناك قدراً وصيرورة تطوق كل حضارة على حدة، مثل أي نبات ينمو ويزدهر، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يكون حطاماً؟ ورأى المؤرخ البريطاني (جون أرنولد توينبي TOYNBEE) في كتابه (دراسة التاريخ STUDY OF HISTORY) الذي اشتغل عليه نصف قرن من الزمن، أنه بقدر اختلاف نشأة الحضارات؛ فإن السقوط أوضح وأكثر تعميماً في تظاهراته، وهو يصيب الحضارات بالهرم والشيخوخة، ويسلمها إلى الفناء. سنة الله في الذين خلوا من قبل، وهو ما جعل الشاعر الأندلسي يضع ذلك شعراً بقوله: لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان .. وهذه الدار لا تبق على أحد ** ولا يدوم على حال لها شان هي الأمور كما شاهدتها دولاً ** من سره زمن ساءته أزمان …. واختصرت الفلسفة قانون الصيرورة؛ أنه قانون عام ينتظم أصغر الأفكار إلى أعظم النظم الفكرية، ومن حيوان الخلد إلى أعظم الإمبراطوريات، ومن الذرة إلى المجرة، فلاشيء يبقى على حاله، وكل من عليها فان، قائم على التغير والتحول والتبدل والتوقيت والعبور، فما كان يوماً ضعفاً يتحول إلى قوة، وما كان قوة ينهار إلى الشيب والضعف من جديد، في دورة تتناول كل المخلوقات. هنا قد يقف بعضهم في جسر بين شبح العبثية والبرمجة الهادفة. وأضاف الدين بعداً جديداً للمسألة، حين استند إلى ظاهرة التغير من تحول حياة الإنسان والنبات، من البذرة الأولى إلى الوجود المزدهر، إلى الانقلاب إلى أرذل العمر والحطام، شاهداً على أن الموت ليس نهاية المطاف، بل مرحلة جديدة لحياة جديدة؛ فالموت هنا إحدى مفردات الحياة، وهو يشبه ظاهرة الكسوف والخسوف، ولم يكن الكسوف ليمحق الشمس، كما لم يلغ الخسوف القمر؛ وما الموت إلا قناع خارجي، وتتابع حقيقة الإنسان طريقها المرسوم بكيفية مجهولة، فكان الدين هنا أكثر من عزاء؛ حين خلع معنى البرمجة والهدفية على الحياة، وأبعد بذلك شبح العبثية والفوضى والباطل عن العالم.