إننا ننحدر يا سادة! في كلِّ عامٍ ننزل درجة أو درجتين في سلّم الوعي والإدراك والذوق! هكذا يقول أحد المعلّمين القدماء من الذين أمضوا نصفَ أعمارهم في خدمة العلم وصداقة الكتاب، ولقد كان لكلماته وقعها في النفس ومكانها في الوجدان؛ فهو الذي مازال منذ 25 عاماً يهبُ وقته وجهده في دروب التعليم الوعرة، وهو يدرّس هذه المادة بنفس المستوى وذات النصاب؛ يزيد حصةً أو ينقص حصة شأنه شأن أي معلّم مستجد! بلا تقدير لكهولته وسنينه التي أمضاها في خدمة العلم! اطلعتُ مرةً على أسئلة في اللغة العربية للصف السادس الابتدائي قبل 40 سنة تقريباً؛ كانت ورقة واحدة مكتوبة بخطّ اليد، أيقنتُ لما رأيت هذه الأسئلة ما قاله المعلّم الكهل! فالأسئلة التي يجيب عنها الطالب السعودي عند تخرجه من الابتدائية قبل 40 عاماً لا يستطيع الآن الإجابةَ عنها وهو على كرسي الجامعة يتخصص في اللغة العربية وآدابها! إننا ننحدر يا سادة! منذ أن أُلغي اختبار الوزارة قبل 8 سنوات تقريباً والطالب السعودي في حالة (دلع) مقزّزة! يأتي للمدرسة بلا هدف! فهو على الأرجح يضمن النجاح (وبتفوق أحياناً)، الأسئلة أصبحت من نوعية (اكشط واربح!) والنظام التعليمي ضعيف لايستطيع إلزامَه بشيء! فلا اختبارات يخشاها لكي يذاكر ويهتمّ، ولا عقوبة واضحة تردعه عن التقصير، لقد أصبحت المدرسة بالنسبة لكثير من الطلاب مكاناً للعب واللهو وتبادل الشتائم مع زملائهم، وتغيير (جوّ) البيت إلى جوّ آخر أكثر إثارة وصخباً! كم أتمنى من سمو وزير التربية والتعليم أن يزور (وبشكل مفاجئ وغير مرتّب) مدرسة في حائل وأخرى في حفر الباطن وثالثة في جازان؛ أريد منه أن يسأل طلاب الثانوي: – من يعرفُ منكم المتنبي؟ – أعرب (ذهب الرجل إلى بيته). – ماهي مكونات الخليّة؟ – متى كانت وفاة الرسول؟ – أين تقع فنزويلا؟ ثم لينظر سموّه فيما وصلنا إليه من مستوى وثقافة عامة! هل يعلم سموّ الوزير أن كثيراً من طلبة الثانوي لا يجيدون قراءة 3 سطور؟! هل يعلم أن كثيراً من طلبتنا لا يمتلك أدنى درجات التركيب والتحليل والتفكيك والاستنتاج؟! هل استشارت الوزارة المعلمين المميزين في وضع المناهج وتعديلها؟ أعلم أن المسؤولية كبيرة والتحدّي قوي أمام الوزير ووزارته؛ لكنّ الأمل في التغيير يأتي كون هذه الوزارة تحظى بدعم كبير وصلاحيات جيّدة للوزير، فلنتفاءل بجيلٍ قادم يخلو من (الدلع) التعليمي ويكون على قدر الآمال في الوعي والفهم والقراءة والإنتاج.