إن مما يميز النفس البشرية هو تعدد صفاتها وتنوع أوصافها، ومن أهمها ما تتصف به من عاطفة تتمثل في قلب الشخص، فتجسد أجمل سلوك وأرقى تعامل في سلوكيات حياته وأنماط تصرفاته. وقد تختلف نسبة العاطفة من شخص لآخر، فمنهم من هو عاطفي بلا وعي ومنهم من يحكّم العقل بلا عاطفة ومنهم من يمزجهما ببعض ويُغلب جانباً على جانب بما تقتضيه المصلحة ويتطلبه الحال وهو ما يُسمّى ب«الوعي العاطفي» الذي هو الأساس الذي يجب علينا التعامل به في حياتنا ومعيار لتصرفاتنا وسلوكياتنا، فالعاطفة وحدها لا تكفي كما أن العقل بمجرده غير كفيل بتحصيل الوسطية ووزن المواقف بميزانها الصحيح، فالعقل بما فيه والعاطفة بما فيها مكملان لكثير من المواقف التي تتطلب ردود الأفعال المناسبة لتدارك المواقف وحسن التدبير. ومن الملاحظ أن في إعمال العقل فقط تجاه ردة أفعالنا المرتبطة بالمواقف والأفراد، دون وجود أثر للعاطفة، مما يزيد في الشحن النفسي لجميع الأطراف ويبهت لون القضية، وفي المقابل فإن العاطفة المجردة قد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها خاصة إذا تعلقت بمواقف حتمية أو ما يتعلق بقضايا الأمة المصيرية، التي غالباً ما تكون من أنجع الطرق لاستغلال الشعوب بواسطة عاطفتهم، حسب ما يرتئي كل من أراد تسويق أفكاره وتبني مبادئه سواء البناءة منها أو الهدامة. إن الوعي العاطفي هو ما يجب أن نحتكم إليه في علاقاتنا المتنوعة سواء الزوجية، أو بين الأخ وأخيه، والصديق مع صديقه، والزميل مع زميله، والجار مع جاره، والرئيس مع مرؤوسيه، والدائن مع مدينه، وبين البائع والمشتري، والمسافر بين رفقته، والغريب في مجتمع الغربة، وبين المدرس وطلابه، والخصم مع خصيمه، والقاضي مع جليسه، والسجين مع سجانه، والقائد مع أتباعه كما قال الله تعالى عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» آل عمران 159، ولكن كان مكان هذه الفظاظة رجاحة العقل ومكان هذه الغلظة العاطفة والمحبة لهم فكانت النتيجة الوعي العاطفي الذي كان سبب التحامهم حوله صلّى الله عليه وسلّم. يقول يونس الصدفي: «ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة» «السير للذهبي 10/16» ويعلق الذهبي رحمه الله تعالى على هذا فيقول: «هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون» «السير للذهبي 10/17» فكمال العقل مع فقه النفس هو عين الوعي العاطفي الذي يفترض أن يتحلًى به المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته. إن في الوعي العاطفي تسخيراً لقدرات مكنونة وهبنا الله عزّ وجلّ إياها وموازنة بين متطلبات الحياة وحاجيات الإنسان النفسية التي قد تُغيب الحاجة المادية أو النفسية لها أي وعيٍ عقلي أو معرفي وبالتالي تتحصل من ورائها النتائج العكسية التي يصعب تداركها. وأيضاً فإن وجود هذه الصفة في الإنسان كفيلة بمعالجة كثير من الأزمات التي تعصف به في مشوار حياته من حزن واكتئاب، وضيق وارتياب، مما ينتاب كثيراً من الأشخاص وعلى مختلف المستويات، فالتوازن دائماً هو الحل لكثير من الأزمات بل مانع لكثير من العقبات الحياتية التي تطرأ على الإنسان قبل وقوعها، ولو نظرنا إلى الوراء قليلاً وتفكرنا في بعض مواقفنا وردود أفعالنا التي كانت نتائجها سلبية وغير مرضية، لوجدنا أنها تفتقد أحد هذين العاملين ألا وهما الوعي المتمثل في العقل والعاطفة التي محلها القلب. باختصار.. العاطفة وحدها لا تكفي لاتخاذ قرارات تجاه ردة فعل أو خبر سمعناه، فهي جميلة ما لم تُغيب العقل عن الحقيقة، فقد قال الله عزّ وجلّ عن إخوة يوسف «وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ» يوسف 16، ومع هذا قدم يعقوب عليه السلام عقله فعلم أنهم كاذبون مع أنهم يبكون! فالعاطفة مما تُزين بها الأفعال والأقوال بعد تحكيم العقل للمواقف والأحداث التي تضفي على ردة أفعالنا توازناً وانسجاماً تكون عواقبها للإيجابية والواقعية أقرب.