كأي امرأة تتحضر لمخاضها.. أتوسل الرحمة من فم الصلوات… وكأي امرأة تكرر أمومتها.. تعرف جيداً كيف تصنع بالوجع جسد طفلها.. لكن ليس لكل امرأة صنع الوجع أمومتها.. أن تعرف كيف للفقد أن يصنع مخاضاً لروحها.. روح الأم الفلسطينية.. وكل أم شهيد.. كيف لها أن تعبر رحم الموت.. وتعود لتبتكر الحياة..؟! كيف لروحها أن تبقى تتفرج على أجساد أطفالها ووحش الحقد يلتهمهم إلى الموت بكل عنجهية الطغاة..؟! كيف لروحها أن تتحمل كل سرابيل السواد.. ثم تعود لتكرر أمومتها وصمودها.. تعود فتُربك المحتل.. وتُلبسهُ لعنة الفداء..؟! بل كيف لنا أن نواصل فيلم الدم.. تعلو فيه شهقات الموت.. صُراخ ثكالى.. وأطفالنا يلعبون بالجوار؟!! خلقت كل أنثى مهيأة لأمومتها.. لزلازل الوجع في مخاضاتها.. فهل هُيِّئت أم الشهيد.. وأمهات فلسطين بالذات لكل قطران الفقد هذا…؟! في كل فجيعة لهن.. فجائع لا منتهية… تلك التي انتظرت طفلها 20 عاماً.. قُتلت أمومتها في ثوانٍ.. وتلك التي عشقت أمومتها فتكررت سبعاً.. سبعة أطفال.. سبعة أرواح نفثت بين أحشائها.. سبعة مخاضات.. أوقات تعرفها الأمهات وحدهن في تعبهن.. وخوفهن.. وذكريات صوَّرتها شهقات الروح.. ولسعات الجسد… لفلسطين.. ناصية القلب.. قِبلةٌ لصلاة الحق.. كاشفة الرياء.. أمضي بمخاضي أقرأ سورتك أيتها العذراء مخضبة بالرضيع.. لا يد تهزُّ مهد طفلك يا مريم.. وحده الغبن يهز حبري المراق.. بل لا مهد لطفل تنتظره رصاصات الطغاة.. وحدها ذراع امرأة في فلسطين تصنع مهداً.. تصنع لحداً.. تحفر مقبرة للغزاة.. أمضي نحو أمومتي بمخاضٍ من الأسئلة.. وروحٍ خجلة من ارتكاب الحياة أمضي بيدٍ مازالت تربت على كتف الوقت.. بأن يستكين قليلاً.. وألا يتعجل بهم نحو معركة البقاء.. دموعهن طرية في كل حين.. وآهاتهن معلقة على مشجبٍ له عيون من فراغ.. صبراً فلسطين.. إنه مخاض الحق.. سرٌّ من أسرار الخَلق.. تبتكره أجمل الأمهات!