إنها أجمل هبة منحها الله للمرأة في هذه الحياة، أن تكون أمًا، أن تشعر بأن في داخلها كائنًا صغيرًا ينمو، يتحرّك، ويركل، وينتظر أن يكتمل بناؤه الجسدي، حتى يتمكن من الخروج لمواجهة الحياة، والهواء، والضجيج، وحتى يستمتع بأحضان هذه المرأة التي احتملت آلام الحمل ومشاقه، ومصاعب الولادة وأوجاعها، فقط من أجل أن تضمّه بين يديها، وأن تتمتع برؤية عينيه الصغيرتين، وابتسامته الجديدة، وتلك البراءة الكامنة في كل ذلك الكيان الصغير. إنها الصفة التي لا يمكن لكل الأمهات أن يتمتعن بها، وأن يؤدينها على الوجه الأكمل، خاصة حين تبدأ تلك الأم في إهمال ذلك الوليد، وممارسة أساليب العقاب القاسية على جسده الصغير، الذي لا يحتمل حتى وجود ذبابة صغيرة عليه، فكيف بأكفّ الأم تنهال على وجهه وظهره وقدميه ورأسه ..وتقوم أمهات أخريات بالتجرّد من كل صفات الأمومة، بابتكارهن لطرق التعذيب الوحشيّة. ولا ننسى في مجمل هذه الاتهامات الموجهة إلى بعض الأمهات البائسات، (وأقول بائسات لتجرّدهن من صفات الرحمة والأمومة) تلك الأمهات اللاتي يهجرن صغارهن وهم في المهد، أو في سنوات الطفولة الأولى، وهي المراحل التي يحتاج فيها الطفل إلى أمه بشدّة، بدوافع أنانيّة خالية من الرحمة والحنان والعطاء. بعض منهن يتركن أبناءهن اليتامى تحت رحمة الأزواج، الذين لا يحملون لهؤلاء الصغار إلا كل الحقد والكراهية، حيث يقومون بتعذيبهم بكل ما أوتوا من قوة، حتى إننا نسمع ونقرأ الكثير عن الآباء الذين قاموا بضرب أبنائهم حتى الموت، على مسمع ومرأى الأم التي تركتهم بين أيادي هؤلاء الطغاة، بقصد التأديب.وبعضهن يمنعن عن صغارهن الطعام، ويقمن بتجويعهم على مدى أيام وليالٍ؛ ما يؤدّي بهؤلاء الصغار إلى محاولة البحث عن الطعام في أي مكان، بالسرقة والنهب، حتى يطلق عليهم بلقب المنحرفين والخارجين على القانون. إنها الأم، الوالدة والحاضنة، حين تمارس دورها الحقيقي بكل أبعاده المنطقيّة، لتصبح أمًا مثاليّة يشهد لها بالبناء والكفاح، وصنع جيل من القادة والبنائين، بينما تخرج هذه الأم عن الدور الذي خُلقت من أجله، بتجردها من أمومتها لأسباب أنانية وتافهة، لتصنع جيلاً من المُنحرفين والقتلة والخارجين على القانون .