في الحياة شخصيات مدهشة واستثنائية ومتفردة لا تشبه أحدا ولا يمكن مقارنتها بأحد، وأبو سليمان الدكتور عبدالرحمن العثيمين أحد هذه الشخصيات التي تدهش من يقابلها في أي مكان وزمان، وإذا كان هناك حديث المخطوطات والتحقيق وطبقات الحنابلة وخلا من اسم أبي سليمان فإن ذلك يعني أن هناك نقصا في المعلومات، فليست هناك خزانة مخطوطات أو دار كتب لم يقلب محتوياتها أو يكتشف كنوزها، وعندما يسأله زميل أو طالب علم عن شخصية أو مخطوطة يتدفق على الفور من ذاكرته المبهرة ويتحدث دون تفكير عن الشخصية وأماكن وجود النسخ المخطوطة من كتبه ويكون قد اطلع على معظمها وما حقق منها وما طبع، ويتردد على مكتبه في مركز إحياء التراث الإسلامي وعلى منزله بالعوالي طلاب العلم فلا يبخل عليهم بمعلومة أو مخطوطة مصورة، وعندما كنا نتجول في مكتبة السليمانية أو أحمد الثالث في توب كابي باستانبول أو دار الكتب المصرية تشعر أنه يعرفها معرفة حميمية ويعرف العاملين في هذه الخزائن معرفة الصديق، وفي رواق المغاربة بالأزهر أقنع الحارس بأن يسمح له بالدخول ويغلق عليه الباب وجلس يتصفح المخطوطات ويجد أوراقا متناثرة كان يجمعها مع بعضها ليكتشف في النهاية نسخة نادرة لكتاب لولا معرفته وحرصه وحدسه لبقيت أوراقا متناثرة وضاعت ضمن ملايين الأوراق من تراثنا المفقود، وكان كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد يطبع في بيروت وفيه حط على الشيخ محمد بن عبدالوهاب فتقوم الرئاسة العامة للإفتاء بشراء النسخ وإتلافها ويعيدون طباعتها أو تنشر بعد حذف مقاطع منها فاقترح أبو سليمان على الشيخ الدكتور بكر أبوزيد رحمه الله أن يقوما بتحقيقه دون حذف شيء مع التعليق على العبارات التي عليها ملاحظات فوافق، وكنت أستمع في منزل الدكتور بكر بالفيصلية بالطائف إلى مذاكراته مع أبي سليمان على المقدمة والدراسة والتحقيق كلما جاء الشيخ من الرياض وأقام في الطائف، وأخيرا عاد الدكتور إلى عنيزة زاهدا في المناصب والأضواء كعادته وافتقدنا روحه الساخرة وعلمه الغزير في زمن لانلتفت فيه للعلماء الجادين والباحثين الحقيقيين بعد أن أشغلنا بأنفسهم أصحاب الضجيج وتبادل المنافع.