كثيراً ما تعاني الحياة الزوجية بعد الأشهر الثلاثة الأولى من بعض المشكلات التي تقف عائقاً أمام استمرارها، فتتحول إلى علاقة باردة وجافة، أو تنتهي بالانفصال والشعور بمرارة التجربة. حيث إن الزواج من النظم الاجتماعية المهمة في الحياة الإنسانية، يجمع بين الزوجين رابط مقدس قائم على المودة والمحبة والاحترام. وتتعرض بعض العلاقات الزوجية إلى تحديات وعقبات أثناء مسيرتها، لذا تحتاج إلى وعي وإدراك في نقاط ضعفها وقوتها، واكتساب المهارات التي تعينها على تخطي هذه العقبات. العلاقة الزوجية الناجحة: هي التي تقوم على أسس ومهارات التواصل الفعال بين الزوجين، معتمدة على مبدأ الاحترام المتبادل والتقدير والعطاء وحق تقرير المصير والمساواة والعدل. تحدث في بداية العلاقات الزوجية اختلافات عديدة وهذا أمرٌ طبيعي، اختلاف في وجهات النظر، اختلافات في اتخاذ قرار معين، وتكمن خطورتها إذا ما تكررت بصورة دائمة دون إيجاد حل جذري لها، هنا تتحول تلقائياً إلى مشكلة حقيقية، والمشكلة الواحدة تولد مشكلات أخرى. ويعتقد كثيرون أن هذه الخلافات بسيطة وتافهة، وهنا تكمن الخطورة بعدم إدراكهم ذلك إلا بعد فوات الأوان عندما تصبح عائقاً حقيقياً أمامهم. أغلب هذه الاختلافات أو المشكلات تدور في مواضيع رئيسة، أهمها (الفكر، الاعتقادات والثقافة)، صعوبتها إذا حاول أحد الأطراف فرض اعتقاده وفكره وثقافته على الآخر بصورة إجبارية، فهذا يعني إلغاءه تماماً، من هنا تحدث عديد من الإشكاليات والصراعات، متناسين أن العلاقة الزوجية مشاركة ومكملة للطرف الآخر. لنجاح هذه العلاقة لابد من احترام ثقافة وتوجه الآخر والوصول إلى حل مشترك يناسب الطرفين. أيضاً من ضمن المواضيع تدخلات الأهل التي تفقد هذه العلاقة خصوصيتها وتزيدها توتراً وحدية، مما ينتج عنها تراكمات نفسية لدى الزوجين، وخلافات بين العائلتين. دور الوعي مهم جداً في التصدي لتدخلات الأهل بطرق أكثر حكمة وحزماً منذ بداية الزواج. أيضاً ما يثير المشكلات بين الزوجين هو الاختلاف في تربية الأبناء، فيؤثر عليهما وعلى الأبناء، فيعيشون في صراع وتذبذب هنا وهناك. مهم جداً تحديد الأدوار والمهام بين الزوجين، وهذا يُلغي كثيراً من سوء الفهم والمشكلات، خاصة بعد التفاهم وتقارب وجهات النظر في التربية. كما أن وجود الأصدقاء بصورة عشوائية وغير منظمة يوجِد عديداً من الغيرة والشعور بالإهمال، لذا يفترض منذ البداية تحديد الأولويات والأوقات المناسبة لكلا الطرفين للجلوس مع الأصدقاء، فلا يطغى جانب على آخر. أيضاً دخول عنصر الروتين في الحياة الزوجية يعتبر قاتلاً في المفصل لأنه عدو صامت، لا ينتبه إليه الزوجان إلا بعد فوات الأوان. التجديد والتطوير في العلاقة الزوجية عامل أساس لاستمرارها بفرح وإيجابية. الوعي في مفهوم العلاقة الزوجية يختصر كثيراً، خاصة إذا وُجد الحوار والاستماع والإنصات للطرف الآخر وإعطاء المجال للمناقشة بالطرق السليمة دون تذمر وسخط، مما يجعل هذه الاختلافات لا تدوم طويلاً ولا تتكرر دائماً، بسبب الوصول إلى نقطة الالتقاء بين الزوجين القائمة على المعرفة والوعي والحكمة. بعضهم عندما تتكرر هذه الاختلافات والمشكلات لا يعرف كيف يتصرف، ولا يستطيع أن يعبر عن مشاعره الغاضبة والساخطة. نجد بعضهم يتخذ مسلكين: المسلك الأول يُظهِر هذه المشاعر بعدوانية وغضب وصراخ وتلفظ سيئ، مما يزيد الفجوة والخصومة. المسلك الثاني يلتزم الصمت وعدم البوح وعدم التحدث، وهذا من أخطر معوقات العلاقة الزوجية، لأنها تصل إلى بواطن النفس ويصعب حلها فيما بعد. بعضهم لا يدرك حقيقة التعبير عن هذه المشاعر، فهي المحرك الأساس في العلاقة الزوجية. هل نحن نعرف مشاعرنا الداخلية؟ هل نعبر عن هذه المشاعر بصراحة؟ كيف تكون طريقة تعبيرنا إيجابية أو سلبية؟ هل نعرف مشاعر الطرف الآخر؟ هل أعطينا فرصة للآخر حتى يعبر بصراحة؟ كل تلك الأسئلة من خلالها سنتعرف ونعرف حقائقنا من الداخل وكيف نظهرها. أغلب المشكلات تتفاقم بعد سنوات من الكتمان وعدم الإفصاح، أو الإفصاح بطريقة خاطئة. لذا توجد قاعدة أساسية في كيفية التعبير عن هذه المشاعر تسمى (رسالة أنا): يكون التعبير والإفصاح في البداية ظهور حسن النية والاحترام للطرف الآخر، والتحدث عن مميزاته الإيجابية أولاً، ثم سرد المشاعر السلبية دون عتب أو لوم أو سخرية أو استهزاء. الهدف أن نوضح للآخر الرغبة في الحديث والمناقشة بأسلوب هادئ بعيد عن الهجوم أو الغضب، هذه الطريقة تجعل الطرف الآخر يستمع وينصت، لأنه غير مضطر إلى أن يلبس قناع الدفاع عن نفسه، تعطي هذه الطريقة فرصة للحوار والمناقشة، وهي عكس (رسالة أنت) التي تحتوي الهجوم والسخط، فبعضهم يقع في الخطأ عندما يبدأ في المناقشة والحوار بالهجوم والتلفظ على الآخر، مما يضطره إلى أن يدافع عن نفسه، وهنا يعتبر عائقاً كبيراً. عندما يدرك الزوجان أوجه الاختلافات في مواضيع الحياة بينهما يستطيعان تجاوزها ومعرفة كيفية إيجاد الحلول لها. الاختلافات ستظهر أحياناً، لكن المهم أن يمتلك الزوجان الأدوات التي تساعدهما على تخطيها، مما يجعلهما يختصران عديداً من المشكلات والفجوات.