حينما يبني ربّ الأسرة منزله فإنه يعكس في تصميم أركانه مستوى ثقافته، حضارته، وتبعاً لذلك فإن أعضاء المنزل يعكسون مستوى تحضرهم من خلال المحافظة على نظافة وجمالية المنزل. وإن تناولنا الأمر بمقياس أكبر فإن تحضر الدول وثقافتها يُقاس بعدة أمور؛ منها توفير المرافق العامة وطريقة تصميم هذه المرافق، ومقياس تحضر هذه الشعوب هو بمحافظتها على هذه المرافق. ولقد أنعم الله على بلادنا بوجود معلَمينِ تهوي لهما الملايين في مدينتيّ (مكةوالمدينة)، وعلى من ينوي الترحال إليهما برّاً من أصقاع بعيدة أن يستعد للوقوف في المرافق العامة على طريق السفر لأداء فرائض الصلاة. وَوحده من يسافر برّاً يُدرك (مأساة) التوقف لأداء الصلاة في تلك المحطات التي بإمكانك أن تشمّ روائح القاذورات المنبعثة منها من بُعد أمتار، وأن ترى العبارات البذيئة على جدرانها، وأن تلاحظ المصلين يصلون في العراء لصغر حجم المسجد أمام العدد الكبير من المسافرين الذين توقفوا في هذه المحطات البائسة! في رحلتي الأخيرة من المنطقة الشرقية إلى المدينةالمنورة، توقفنا عند محطة تمنيت أن تكون كاميرتي موجودة لديّ لألتقط صوراً تذكارية للمناظر اللاحضارية! فدورة المياه الخاصة بها متهالكة جداً وتحتاج إلى إعادة بناء، وليس صيانة فقط، (بالوعتها) قد انفجرت طاقتها الاستيعابية فخرجت القاذورات على السطح، أما الموزع المؤدي للحمامات فهو حكاية أخرى مُزرية، فلو دخل الموزع شخص بدين لعلق في المنتصف لصغر حجمه! قادني الفضول كما قاد بعض السيدات لأتوجه لبناء قريب من دورة المياه هذه، لنكتشف أنه سكن للعمالة الهندية، التي حينما رأت حال المسافرين السعوديين المزرية سمحت لهم باستعمال دورات المياه الخاصة بهم، التي هي الأخرى لم تكن أحسن حالاً من تلك، لكنها على الأقل ساعدت من لم يسعفه حظه من التمكن من دخول دورة المياه تلك. أما الأمر الأكثر غرابة فإنه لا يوجد مسجد للنساء، وبعد بحث حثيث عن المسجد المفقود فإن النساء اضطررن إلى الصلاة في العراء، وعلى بُعد أمتار منهنّ أحد الكلاب الضالة ينبح ليبث الرعب في صفوفهنّ، فمن تشجعتْ أكملت صلاتها، ومن ارتعبتْ قطعتها! السؤال الذي يراودني في كل رحلة إلى المدينةالمنورة هو: متى ستعكس المرافق العامة في الطريق المؤدي لمكةوالمدينة حضارة الدولة والشعب معاً؟