اطلعنا على المقالة المخطوطة بقلم الأخت فوزية المبارك، المنشورة على صفحات جريدتكم الغراء في العدد 895 الصادر يوم السبت الموافق 18-7-1435ه تحت عنوان (الترجمة ونقل العلوم)، التي تناولت فيها المعاناة التي تواجه الدارسين في جامعاتنا العربية من عدم توفر المراجع والكتب العلمية التي تسند الباحث والدارس العربي. أختنا الفاضلة، في القرن ال19 الميلادي برزت على السطح عدة كتابات تنادي بأن لغتنا العربية غير قادرة على مسايرة الحضارة أو مواكبة التمدن، وليست فيها قوة الاختراع، وأنها لغة الأحافير ولغة الصحراء والخيمة والجمل، وقصور الأبجدية العربية عن الإشباع في بنية الكلمة، وكان ممن يتسيد هذا الادعاء ورفع الراية السوداء بعض الكتاب العرب من أمثال فارس نمر ويعقوب صروف مؤسسي صحيفة «المقتطف» وصحيفة «المقطم»، وسلامة موسى وعبدالعزيز فهمي، وكل ذلك من تأثير أساتذتهم الغربيين وبعض ممن كانوا يعملون في أجهزة الدولة المصرية أثناء الاحتلال من أمثال ولمور ومهندس الري الإنجليزي ويليم كوكس، حيث يذكر في محاضرة له عام 1893م أن أهم عائق يمنع المصريين من الاختراع هو أنهم يؤلفون ويكتبون باللغة العربية الفصحى. فهل كانت تلك الدعوات صحيحة؟ إن المتطلع والمراقب للحركة العلمية -محل كلامنا- خاصة من قِبل الشباب الذين يمثلون الشريحة العظمى من التركيبة المجتمعية العربية، يميل بل قد يتبنى تلك النظريات والدعوات لا لشيء إلا لما يشاهده بأم عينيه من التخلف للغتنا العربية وبعدها عن المحافل العلمية لا على الصعيدين الدولي والإقليمي فقط، بل حتى على الصعيد المحلي، وتلك هي المصيبة العظمى! فالتعليم العالي المتمثل في معاهدنا وكلياتنا وجامعاتنا العلمية سحق اللغة العربية سحقاً واستبدل بها اللغة الإنجليزية، حتى بتنا نتسابق ونفتخر بإلحاق أبنائنا في مراحل التعليم المختلفة بالمدارس التي تتخذ اللغة الإنجليزية لغة رسمية في التعليم. فلمَ كل هذا؟ هل نسينا المدارس العربية في الأندلس، حيث نظريات ابن الهيثم وآراء ابن حيان وقوانين الفراهيدي ومعادلات الخوارزمي وغيرهم؟ أم تناسينا مدرسة الألسن التي قامت على جهود الشباب المثقف من الرواد الأوائل في مصر خلال 20 عاماً من أجل إحياء اللغة العربية والتراث، فخرج لنا هؤلاء الشباب في علوم الطب والهندسة والقانون وغيرها من المعاجم اللغوية، حتى أصبحت فيما بعد مصادر العلماء وأصحاب الاختصاص، وكذلك دور الجامعة الإنجليزية في بيروت حين تبنت اللغة العربية لغة رسمية في جميع فروع تخصصاتها العلمية منذ نشأتها عام 1866م حتى عام 1886م. فهل كانت لغتنا قاصرة وغير راشدة في مواكبة الأحداث وصياغة الفنون والتطور العلمي في صباها؟ أم إنها شاخت وأصابها الوهن واعتل جسدها بأمراض الشيخوخة فأصيبت بأمراض العصر الزهايمر والباركنسون؟ أم أن تخاذل أبنائها وانعدام الثقة في لغتهم، بالإضافة إلى تكاسل مؤسساتنا العلمية وتنويم القائمين عليها إيانا بوعودهم العسلية كانت السبب في ذلك، إذ ما معنى أن يصرح وزير تعليم عالٍ سابق (صحيفة «الرياض» عدد 6527 الصادر يوم الأربعاء 28-8-1406ه) بأن هناك خطوات كثيرة قد اتخذت من جانب المملكة عموماً وهذه الوزارة خاصة لتدعيم ورفع شأن لغتنا العربية وإعادة مكانتها على أوسع نطاق محلياً وعربياً وعالمياً لتكون عما قريب بإذن الله تعالى لغة التعليم الجامعي والثقافة والعلوم في دنيا العرب والإسلام. فهل (عما قريب) تحتاج إلى أكثر من 29 سنة؟! وهل 13 مليون يهودي في العالم يحيون اللغة العبرية بعدما كانت في طي النسيان ويعجز أكثر من مليار مسلم عن أن يحافظوا على بقاء لغتهم حية؟! وفي الأخير فلنتذكر كلمة الأديب محمد رضي الشماسي في كتابه (سيدتي الكلمة) بأن الأمة التي لا تمتلك لغة علمية لا تمتلك علماً، والأمة التي تستعير لغة غيرها فإنها تستعير حضارة غيرها أيضاً.