مازالت الصحافة الورقية تشغل حيزاً من الظهور المتمرس بمهنية الجودة، غير أن احتدامات المنافسة الراهنة تُثقلها بكاهل المنافسة المتوقدة والحيَّة، وذلك في ظل الصعوبات المتزامنة مع سرعة رتم التطور الحادث على المستوى التقني واتساع بؤرة التلقي في الوسط التفاعلي، فالصحافة الورقية في تحدٍ قائم وقادم مع الصحافة الرقمية الإلكترونية، وهو اتجاه سريع يستشرف آلية مقبلة بعيدة عن كل الأساليب التقليدية الرتيبة، وهنا يتضاعف الحمل على كاهل القائمين والدائرين لعجلة الوضع الراهن، السؤال الذي يفرض نفسه: هل صحافتنا الورقية قادرة على المحافظة على ملامحها الأساسية مع الخوض في تطوير إطارها الشكلي ومضمونها الخالد؟. فكيف لها بتحقيق المعادلة الصعبة وكسب احترام ومصداقية شريحة تتطلع لمزيد من المهنية المثرية بجودتها؟ المديرون التنفيذيون هم في واجهة التحدي بين أمور ليست بالهينة، من أبرزها المحافظة على قاعدة تضم كثيرا من المتابعين والمتشبثين بنظامية المتابعة اليومية لهذه الصحف، وبين الشريحة الأوسع للقراء الجدد، برتمهم المتسارع الرقمي. وبواقعية الإدراك لطبيعة هذه الشريحة بميولها ومتطلباتها المستحدثة، لكن هذا التحدي يصب في جوانب متفرعة، من ضمنها النهوض بالمستوى الثقافي والقومي في ذات الوقت الذي تقدم فيه المادة المطبوعة، والمحافظة على جذب مزيد من المتلقين لهذه المادة بجذب ولفت شهية حديثي التفاعل من الجنسين ضمن منظومة جيل يحمل تعددية السمات فتيَّة الاتجاه. وهنا تُشرع نوافذها المطلة على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يضم الشريحة العريضة من العامة، وبرغم تباينات التوجهات والمستويات الثقافية والإدراكية، إلا أنها الساحة الرحبة لبث وتقطير ماتجود به تلك المواد الإعلامية بأقسامها وتفرعاتها، التي تفتقر في جوانب ما، لنكهة التحديث المجاري للواقع الطاغي للشريحة الكبرى. التحدي الأبرز هو الاستمرارية والبقاء الخلَّاق لصور جديدة ومبتكرة تُجاري أجيالا تنفر من النمطية، وتتعداها لمخارج الاهتمام بمتطلبات الفئة الفتيَّة والكيفية المناسبة لاستثمار وتنمية تطلعاتهم بقالب التطوير، لينخرطوا في مجالات ترتبط بالحياة والعمل ضمن إطار الساحة التفاعلية، ودعم مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، حتى تحقق دورها في مجتمع متكامل متنوع الاتجاهات ويلتهم وجباته الدسمة اليومية بصورة غير نمطية وفيها من الخفة والسرعة شيء كثير، فلم تعد الأجهزة الحاسوبية المكتبية هي نافذة الرؤية كما السابق، إذ أصبح الجهاز الكفي عالما شاسعا طغى على عديد من الوسائل التي مكنتنا من المطالعة في وقت ما، وفي أمكنة معينة، ليتحول الزمان والمكان لأيقونة واحدة تُمكننا من الولوج لساحة المتابعة دون بذل الوقت والجهد والمال. مازال التحدي المقبل في الطريق، ومُجاراة التطورات والمتطلبات الحديثة والقضايا الراهنة هو همزة الوصل بين تاريخ وماضٍ حافل بالعمل والإنجاز، وما بين حاضر سريع الرتم في تحولاته، ومستقبل يستدعي التقارب والاندماج بصورة ذكية بكافة الأبواب الإعلامية في ساحة الإعلام، والالتفات إلى أن المستهلك بدا أكثر ذكاءً في تمييز السياسات القائمة على الربحية أكثر من المصداقية والمهنية، وأصبح القارىء مؤهلا لتقييم المادة المصاغة خاصة إن كانت تتعارض مع واقعه، الذي بدا أكثر وضوحاً وبروزاً من خلال قضاياه التي لم تعد مُداراة خلف الأسوار، وكذلك المواقف الرسمية حيال قضايا المواطن لم تعد تُستساغ إن كانت في جلباب لم يعد بمقاس قناعة المواطن المتفتح المدارك حيال كل ما يتعلق بالواقع، وهنا تتقافز في الأفق تلك العبارات: عبر مساحات «تويتر» و«فيسبوك» و«كيك» وقنوات «يوتيوب» وغيرها من المساحات التي تنقل وتنشر المادة الإخبارية والإعلامية. هل تُغني الباحث عن المادة الإعلامية عبر المساحة الورقية المدعمة بالمادة بحرفية النقل والتقصي! هل قناعة المتلقي باتت لا تُفرق بين مصداقية وثقة الجهة العارضة للمادة، إذ نحنُ على يقين بأنه ليس مجرد عرض المادة الخبرية هو خبر موثوق في حد ذاته، فالمسألة أعمق وأوسع من مجرد عرض ونشر المادة، وما نلحظهُ أن كثيرا من المواقع التي اكتسبت شعبية الجمهور وثقتهم، هي في الأساس تتخذ من الصحف الرسمية الورقية مصدراً لأخبارها ومادتها المنشورة، فالأمر كما يبدو علاقة متكاملة ومتقاربة وغير منفصلة بين الجهتين، إذن الاندماج بين الوسيلتين هو سياسة للبقاء.