لدينا حالة ثقافية اتخذت من فكرة «الجماعة» مرتكزاً، وظفته بشكل متعسف في أدق تفاصيل حياتنا، وهي حالة لها امتداد تاريخي ساهم في إلباسها لبوس القداسة في أذهان البسطاء، الذين يتعاملون معها بتسليم شبه مطلق، بينما آخرون يدركون حقيقتها، لكنهم يعظمون منها، لأنهم منتفعون من وجودها. أتحدث هنا عن «القطيعية»، تلك الحالة التي تذّوب الفرد في الجماعة إلى حد الاستلاب، وتفقد عقله وفكره نعمة الاستقلالية التي وهبها له الله، وحثّه على إعمالها فيما يحقق له المعرفة الراشدة، الكفيلة بإسعاده وهدايته إلى الطريق القويم، وقد وردت في القرآن آيات كثيرة تستثير العقل للتفكر والتدبر والتأمل والتبصر. حالة «القطيعية» ضيّقت آفاق الاختلاف في التعاطي مع ما يستجد في حياتنا من أفكار وأحداث، وحيّدت الفرد، وعطلت عقله، واستلبت قراره، ليقف بسلبية أمام المستجدات، منتظراً من يقرر ويفكر بدلاً عنه، بينما دوره هو لا يتعدى التسليم والامتثال، وإن حاول التعبير أتى تعبيره جافاً فظاً، لأن «القطيعية» عطلت قدرته على استيعاب الرأي الآخر. قد يقود الفهم «القطيعي» لتفسير أن هذه دعوة للتمرد على الجماعة، بينما هي في الحقيقة دعوة لتفكيك الفكر القطيعي، والاختلاف فيما دون المشتركات الكبرى، فالاختلاف توسعة ورحمة وثراء.