مما لا شك فيه أننا نعيش اليوم عالما افتراضيا يفرض نفسه على تفاصيل حياتنا، وبأننا نشكل رقماً ضمن مجموع السكان الافتراضيين لعالم (الأون لاين). رغم ذلك فإن هويتنا الافتراضية في عالم التواصل والاتصال لا تُلغي هويتنا الواقعية كأفراد، فهي حتى وإن بدت في ظاهرها أو في بعض جوانبها كذلك، إلا أنها تُبقينا على تماس بين هذين العالمين. خطوط التماس هذه بين الافتراضي والواقعي، غالباً ما تكون مولِّدة لعديد من الظواهر المجتمعية. تلك التي بدأت بالهويّات/الأسماء المستعارة في المنتديات وغُرف البالتوك، وتشكيل جماعاتها الافتراضية، ومن ثم نزوع عديد من الأفراد لخلع تلك الأسماء المستعارة والعودة لهويتها الحقيقية بعيداً عن المواربة والتخفي، مما ساهم في كثير من الأحيان في تكوين علاقات اجتماعية بين أفراد ربطتهم اهتمامات مشتركة، لنكون أمام تشكيل جديد للجماعة قد يعود ليفرض نفسه واقعياً بعدما عاش لفترة من الزمن في الافتراضي. هذا التحول الذي فرضه العالم الرقمي التكنولوجي جعلنا نقف أمام مراحل ثلاث: بدأت بكوننا أشخاصا واقعيين، ثم حولَّنا لأشخاص افتراضيين، ومن ثم عُدنا لواقعيتنا التي ساهمت المرحلة الافتراضية بإعادة رسمها وتكوينها من جديد. في الواقع نجد أن هذهِ التحولات تنطبق على عديد من الظواهر المجتمعية منها حُمى (تزيين الكيك) التي أبدى عديد مؤخراً اهتمامه بها سواء داخل الأسرة واتخاذ بعض لها أداة تسلية أو هواية. وصولاً لما يصادفنا من إعلانات لمؤسسات عن دورات تزيين الكيك، فبعد ما كانت مجرد ألعاب افتراضية وتطبيقات على أجهزتنا الإلكترونية. نجدها اليوم واقعاً منشوداً. وليس آخرها الإعلان عن دورات التزيين والمكياج للفتيات الصغيرات، التي قد تكون أحد مظاهر التحول والنزول من تطبيق على جهاز ذكي، إلى تطبيق واقعي، فلا (تزيين الكيك) اختراع حديث، ولا فن المكياج ودوراته بأمر جديد، لكن الجديد هو هذا الشغف المحموم بها، واستحداث الثانية ضمن الدورات الصيفية المعلن عنها للطالبات. هذا التماس والتماهي بين ثنائية الافتراضي / والواقعي ينسحب على كافة أنظمتنا المجتمعية التربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولايزال عدد من التفاصيل المجتمعية التي قد تبدو أنها عابرة وسطحيّة قد تشدنا للعمق، لتكشف عن حقائق إفرازات العالم الافتراضي في ظلّ سطوة وسائل التواصل والاتصال.