لتعلم يا رعاك الله، أن حقك في التفكير والشكّ في كل ما لم يستوعبه عقلك لا يقل أهمية عن حقك في الحياة، بل هو الحياة بعينها. أكتب إليك هذه الأسطر رحمة بك وشفقة عليك، لأنني حين أراك ممتطياً صهوة الجدل.. تقول وتفعل ما يقول ويفعل غيرك، أشعر بالأسى على الإنسان ك (فكرة) وُجدت لتكون حرّة في ذاتها. إن ما في رأسك هو آخر معاقل حريتك، لذا فإن الجدران التي شيّدوها والأغلال التي صنعوها والسجون التي بنوها لن تجعل منك السجين الذي أرادوه ما لم تسلّمهم عقلك، فالله سبحانه – بجلاله وقدرته وعظمته – لم يعاتب إبراهيم عليه السلام ولم ينهره حين قال (رب أرني كيف تحيي الموتى) وهو يعلم بقدرة الله على ذلك قبل أن يقول له سبحانه (أولم تؤمن)، ولكنه لم يستطع تجاوز هذه الفطرة الإنسانية التي تجعل من عقله ناقص المعرفة ما لم تستفزّ علامات التعجب والاستفهام في رأسه تفكيره وأسئلته.. حتى قال (بلى ولكن ليطمئن قلبي). تريد هذه الرسائل الربّانية أن تذكّر الناس أنهم يملكون الحق في طرح الأسئلة متى وأين وكيفما شاؤوا شريطة أن يكونوا جادين في البحث عن الإيمان والحقيقة من ورائها، كما أنها تريد منهم أن يكونوا أحراراً لا أن يكونوا عمياناً في تبعيتهم كما هو حال كثير ممن يسيحون في وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عمَّا تهوى أنفسهم في ظلال أفكار وأقوال غيرهم. يطفح المجتمع بكثير من المعلومات التي لا نعرف مصدراً لها، وهذا ماتسبّبت به ثقافة (يقولون) و(العهدة على الراوي).. في زمن بات فيه الحصول على المعلومة سهلاً إلى الحد الذي جعلها – للجهلة من الناس – أكثر إغراء وأهمية من مصدرها! أعوذ برب السماوات والأرض من الجهل الذي لم تعرف البشرية خطراً أشدّ منه أو داءً قد يتسبب في فنائها قبل أوانه. فكّر يا رعاك الله، واستفهم وانتزع حقك من الشكّ، وامنح عقلك الثقة وكن تابعاً له ومتابعاً لغيره.. لا العكس.