قبل أكثر من ست سنوات.. «قدّر الله عليّ» وشاركت أنا ومجموعة من الشعراء في إحياء أمسية شعرية أقيمت على ضوء أحد المهرجانات الترويحية في المنطقة. وبما أنه «كل طقّه بتعليمه» فأنا لم أخرج نادماً من هذه التجربة السيئة، للأسباب التي سأذكرها لاحقاً، بل على العكس فقد خدمتني الفرصة لأكتشف طريقة عمل القائمين على هذه الأنشطة التي غالباً ما تفشل في تقديم الشعر للناس كرافد مهم لثقافتها وقبل ذلك لإنسانيتها. بغض النظر عن الجانب الربحي الذي يبحث عنه من يوكل إليه التصرّف في مثل هذه المهرجانات، فإن الأهليّة التي يفتقدها أصلاً هي ما تضع الشعر دائماً في مكان ومكانة لا يليقان لا بالشاعر ولا بما أتي من أجله ولا بالشعر نفسه، ولك أن تتخيّل معي عزيزي القارئ شكل المكان الذي أقيمت عليه أمسيتنا المذكورة.. مسرح بدائي مفتوح.. البحر من خلفه ومن أمامه مساحة كبيرة جداً -للحد الذي سمح للأطفال بلعب الكرة بكل أريحية- تفصل بينه وبين المدرّج الخاص بالجماهير التي أتت فقط لقضاء وقت ممتع مع ذويها. تخيّل معي شكل الشاعر هنا وشعوره وهو يلقي قصيدته التي ما إن تتجاوز الطاولة التي تحمل أوراقه حتى تتلاشى بين ضجيج الأطفال وفوضوية المكان قبل أن تصل إلى الجمهور المشغول هو الآخر بالحديث والتندّر. تخيّل معي…. «وإلا بلاش». هذه التجربة كادت أن تتكرر معي أيضاً في مهرجان آخر لولا أني أصررت على المنظمين أن تقام الأمسية في مكان يحترم الشاعر والشعر وجمهوره لا أن تقام في الأماكن التي خُصصت أصلاً للترفية والتسلية، وأحمد الله على أنه قد تم ذلك. يجب أن يعي مثل هؤلاء المنظمين أن الشعر أسمى وأهمّ من أن يُقحم في برامجهم غير المخصصة له وإن كان ولابد من إقحامه يجب عليهم اختيار المكان والتوقيت والأسماء المناسبة له، فالتقليل من أهمية الشعر والاستخفاف بعقول جماهيره أمران يجب ألا يمرا مرور الكرام.