نشأ مصطلح التنمية السياسية كأحد فروع السياسة المقارنة في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن انقسم العالم إلى معسكرين شرقي اشتراكي وغربي رأسمالي، وأصبح هناك عالم ثالث يقبع تحت التخلف الاقتصادي والسياسي. للتنمية السياسية تعاريف عدة جميعها تدل على أنها عملية تحديث النظام السياسي وفق أحدث النظريات السياسية التي تكفل سيادة القانون على الجميع ومشاركة الجميع في صناعة القرار والمساهمة الفاعلة في حماية المقدرات ورسم السياسات العامة وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وتعزيز السيادة الوطنية والاستقلال السياسي التام. وفضلا عن أن التنمية السياسية أحد فروع السياسة المقارنة، فهي أيضاً أحد فروع التنمية بشكلها العام، شأنها شأن التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية والعمرانية والصناعية وغيرها. وتعد أبرز أشكال التنمية لسببين، أحدهما أنها أحد أهم أسباب الاستقرار السياسي والذي يقود بطبيعة الحال إلى فتح المجال أمام أشكال التنمية الأخرى، فمن خلال التنمية السياسية يتحول المجتمع من مجتمع عصبوي فئوي إلى مجتمع مدني يتساوى جميع أفراده أمام القانون، ويصبح متماسكاً ومحصناً ضد الاضطرابات بأنواعها. والسبب الآخر أنها متعلقة في تطوير الإنسان والاستثمار فيه، فيتحول من كائن سلبي إلى إيجابي يسهم مساهمة فاعلة في دعم الاستقرار والتنمية بشكل عام ويعزز روح المسؤولية لديه. ولعل أهم مرحلة من مراحل تحقيق التنمية السياسية هي حسم مسألة المرجعية الفكرية التي تترسخ تحت مظلتها قواعد اللعبة الديمقراطية، وليس المقصود حسم المرجعية الفكرية أن يعتنق جميع أفراد المجتمع فكرا معينا بذاته أو يتم قسرهم على أيديولوجية معينة، بل يتم حسم المرجعية الفكرية للدولة وتحديد مهامها وصلاحياتها إزاء المجتمع ومعتقداته، وعلاقة الدين بالسياسة، وعلاقة الدين بالمجتمع. العلمانية مرجعية في المجتمع المسيحي وأصبحت نموذجا لبقية الشعوب، يرى بيتر برغر أنها في أوروبا كانت ظاهرة داخلية وببساطة كلية، لأن المسيحية كانت خندقها الخاص، ويؤكد غوشيه أن العلمانية أتت من أعماق الدين، «كانت العلمنة ظاهرة مسيحية، وكان للإصلاح الديني دور في ظهورها، لقد تولت المسيحية بنفسها عملية خلع نفسها» ويختم بقوله «ثمة أصالة فريدة إذا نجدها في التاريخ الغربي، وهي أصالة دينية في أعماقها». إذن كل ما حدث هو العودة للوضع الطبيعي! ولذا فإن الأوروبي لم يحقق التحول الديمقراطي إلا بعد أن أقر العلمانية كمرجعية فكرية للدولة، وحتى بعد انتشار الشيوعية كنظرية سياسية قاومتها الدولة الغربية الحديثة بشراسة، وإن كانت قد استوردت بعض المبادئ الاشتراكية التي لم تؤثر على شكل الدولة. المرحلة الثانية نحو التنمية السياسية هي مبدأ السيادة، فهل السيادة للمجتمع أم للحاكم؟! ففي المسيحية كانت السيادة لرجال الدين ويدعون أن السيادة لله وهم يحكمون باسمه، لكن في الواقع كانوا يحكمون وفق ما تملي عليهم أهواؤهم ومصالحهم. لا يوجد مجتمع تحول إلى الديمقراطية قبل أن يحسم مسألتي المرجعية الفكرية والسيادة، هذه حقيقة كثيرون يغضون الطرف عنها عمدا.