يطرح مشروع للسماح بالمشروبات الكحولية في استفتاء عام، ويصوت 51% من الشعب لصالح المشروع، ينجح المشروع وتقنن آلياته، بعدها تستطيع أن ترى زجاجة ويسكي في المتجر المجاور لمنزلك. هذه هي النظرة السطحية السائدة للديمقراطية! أما لماذا سادت هذه النظرة السطحية للديمقراطية؟ فذلك بالطبع يعود إلى الكم التضليلي المهول الذي مورس إزاء الديمقراطية سواء كان ذلك بقصد أم بحسن نية. فأهم الأسباب التي أدت لسوء فهم هذه الآلية المتطورة للحكم هو حساسية المصطلح وأبعاده الغربية كونه دخيلا على الحضارة الإسلامية، وكذلك لتعلقه بمكون رئيس من مكونات الإسلام وهو “الشريعة الإسلامية” إذ يعبر عن الديمقراطية بأنها حكم الشعب، أما الشريعة فهي حكم الله. وبالطبع فإن الأسباب المعيقة لفهم الديمقراطية كثيرة وشابها كثير من الخلط، وحتى نستطيع فهم هذه العوائق من الضروري أن نصنف كل عائق بحسب ماهيته، حتى تصح المقارنة. فأولا مقابلة الديمقراطية بالشريعة يعد خطأ فادحاً وخلطا متعمدا، إذ إن الشريعة تعد “مرجعية فكرية” لها مبادئ عامة وخاصة من خلال نصوص تتوزع على مجالات الحياة، أما الديمقراطية فلا تعدو كونها طريقة سهلة ومبسطة لتعيين أعلى موظف بالدولة. إذن إن المقارنة بين المضمون الذي يعد مرجعية فكرية (الشريعة) والشكل الذي يعد طريقة وآلية إدارية (الديمقراطية) لا يستقيم إطلاقا، ولو احتج أحد بإمكانية تدخل الشكل (الديمقراطية) بالمضمون(الشريعة) كما ذكرت في المقدمة، فما الذي يجعل هذا التدخل حكرا على الديمقراطية دون الحاكم الفرد؟! إذ لدينا أمثلة تاريخية شاهدة في عصر الدولتين الأموية والعباسية ثبت فيها إباحة الخمور دون وجود ديمقراطية! بل على العكس، فلو كانت هناك ديمقراطية واحتكم الناس إلى الغالبية لأمكن ذلك من حظرها. هناك أيضا خطأ يتعلق بالمقارنة، فيقال الديمقراطية تعبر عن حكم الشعب والإسلام يعبر عن حكم الله، وهذا أشد حماقة من الأول فالموجود على الأرض ليس الله وإنما حاكم فرد مقابل شعب، فكيف تستقيم المقارنة بين من في الأرض ومن في السماء؟! ولو لاحظنا هذه المقارنة لوجدنا أنها تستقيم بين سلطة حاكم فرد وشعب بمؤسساته، لكن الحاكم الفرد إذا ما أتت المقارنة فإنه ينسحب بطريقة مذهلة ويقدم الحق الإلهي كونه هو الوحيد القادر على تنفيذ الإرادة الإلهية في الأرض، وإذا ما انتهت المقارنة عاد وكانت له اليد الطولى والكلمة الفصل! خطأ آخر يتعلق بالديمقراطية وهو استحضار التجربة الغربية، وهذا أكثر حمقا مما سبق جميعا؛ إذ لم تكن هناك شريعة مسيحية وكانت المحظورات الاجتماعية متاحة وبعضها مباح من قبل الرهبان كالخمر! لكن الذي حصل هو أن الديمقراطية أقصت استبداد البابوات وأوقفت بطشهم الذي كان يتم باسم الدين. الخلاصة هي أن الديمقراطية ليست كالعلمانية تتدخل في “المرجعية الفكرية” هي مجرد آلية تضمن حق التصويت العام للمواطن، وحق المحاسبة والمساواة أمام القانون ومحاربة الفساد والاحتكار وسوء توزيع الثروات.