يحتدم النقاش في أي لقاء إعلامي حول جدوى مواصلة الأسلوب التقليدي في الإعلام، في ظل التحول إلى الأسلوب غير التقليدي «الشبابي». ولأن التطور سُنة الحياة، وأن الإنسان بطبعه مجبول على التطور في أساليب حياته ونمط عيشه وتأثره بالمحيطين به، والأخذ بكل جديد، والتعامل مع مخرجات الصناعة والتجارة والثقافة، فلا بد من الإيمان بحتمية هذا التطور، وعدم إغلاق النوافذ اتقاء شمس التطور. كما أن تطوّر التكنولوجيا -غير التقليدية في عالم الإعلام- قد بدّل كثيراً من أنماط السلوك وغيّر المفاهيم والرؤى في تناول القضايا التي يواجهها الإنسان. فبلاشك أن ذلك التطور يؤثر على مضامين وأشكال عرض المادة الإعلامية، صحافياً وإذاعياً وتليفزيونياً وأدوات تواصل اجتماعي، والنزوع نحو الاختصار والسرعة والإبهار، ما يمكن أن يجترئ على المضمون، ويحيد به عن جادة السوية. إشكاليتنا في هذه الجزئية المهمة تتلخص في الآتي: – لا يجوز تبرير تسرّع الشباب في نقل المعلومة -غير الدقيقة- والجارحة أحياناً، بأنه مواكبة للعصر.. – لا يجوز قبول ألفاظ متداولة من بعض الشباب -غير الواعي وغير الحكيم- التي تنال من كرامة الآخرين وتتجاوز حرياتهم، ونعتبر ذلك مواكبة للعصر! – لا يجوز -تحت دعوى التلقائية والشبابية وكسر الحواجز و«الفخر الزائف» بالعصر الإعلامي الشبابي- أن نهدر وقت البث في حديث «عبثي» غير حميد وغير مُركّز -يكشف هشاشة بعض المذيعين وعدم معرفتهم بأصول التعامل مع المايكروفون أو الشاشة، وضياعهم بين أسطر المُعد فيما لو خرجوا عن النص، بأنه مواكبة للعصر! – لا يجوز أن نُلقي ببعض المذيعين الشباب -دون تدريب- في نقل أحداث مهمة، فيبدون مثل «الدمى» يتلقون التوجيه والعبارات -عبر سماعة الأذن- من المعد الجالس في (الكنترول)، بحيث يشعر المُشاهد بانتظارهم انتهاء المعد من حديثه كي يكرروا نفس الحديث، وأن لو بقوا عشر ثوانٍ على الشاشة دون كلام، تكون أكبر من عشر ساعات، ناهيك عن الإرباك والخجل والتعرق الذي ينتاب المذيع وهو لا يجد كلمات كافية، لا من مخزونه الثقافي ولا المعلوماتي ولا من النص، فيظل تائهاً على الشاشة وملايين الناس تشاهده، بأنه مواكبة للعصر! ولا يجوز تبرير «الشبابية» وتحويل المحطات إلى مقاصل للغة العربية، التي تحرص عليها كل الدول، والإتيان بمذيعين ومذيعات لا يتقنون اللغة العربية، بل ولا أمل لهم في تعلمها، خصوصاً من بقوا عشر سنوات خلف (المايكروفون) ولم يتقدموا قيد أنملة في الإلمام باللغة العربية، التي هي عماد التواصل الإعلامي!؟ كما أن «تلبيس» المذيعة العربية (الدفة الخليجية) وإظهارها في برامج بلهجات متعددة لا يمكن أن يخدم الإعلام، خصوصاً وأن الدولة تعقد المؤتمرات الدولية لحماية اللغة العربية، وحض مؤسساتها على التعامل بهذه اللغة الراقية التي تحتضن الثراث الحضاري للأمة العربية، بينما تتجاهل وسائط الإعلام أول من يتجاهل هذا التوجه، في الوقت الذي يجب أن تكون هذه الوسائط المحفز والمحافظ على هذه اللغة وجمالياتها. إن ضعف عديد من المذيعين والمذيعات في إتقان اللغة العربية، وعدم الاهتمام بالقراءة والاستخفاف بقواعد العمل الإعلامي، يجعلهم لا يخرجون من الدائرة الهشة التي وُضعوا فيها، لا تخرج عن (طلبها فلان.. وتدلل فلان.. وتواصلك يهمنا. ومن عيوني.. وها ها.. اليوم ما أدري شفيني كله أضحك.. ولا.. لا مو مقبول عيد المقدمة مرة ثانية.. لأنك ما ذكرت اسمي.. إنها المعدة..؟؟)، وغيرها من الكلمات التي تسطّح البرنامج وتجعله نموذجاً مكرراً كل يوم، وبعيداً عما يدّعونه من تجديد و»شبابي»، وهو لا بجديد ولا بشبابي، لأنه يفتقد عناصر الإعداد والتقديم المدروس، حسبما نُدرّسه في الجامعات. بأنه مواكبة للعصر! – ولا يجوز أن تظهر مذيعة في التليفزيون خفيفة العقل، خفيفة الثقافة، تقود الرأي بطلّتها الفاتنة، كي تُفتي في اللغة العربية -التي لا تجيدها- وتجمع أسماء لأشياء جمعاً غير سليم، بل وتجمع كلمة (قرآن) على أنها (قرآئين)!؟؟ في مخالفة صريحة وعبثية لقيم ونبل اللغة العربية! وتظل تكرر أخطاءها دونما توجيه أو لفت نظر، وهكذا تستمر الأخطار والخروج على تقاليد الإعلام العريقة، على أنه مواكبة للعصر! مشكلتنا مع الإعلام الجديد وأهله، أو موضة الإعلام الشبابي، أنه يرفض قيم الإعلام، ويهدم الأساس الأول للإعلام وهو سلامة اللغة العربية، وغياب اللباقة أمام (المايكروفون) أو على الشاشة، ومع الأسف، ظهر على الشاشة من هم لا يصلحون لهذا العمل النبيل، في سعي من أجل توطين الإعلام في بعض الدول، ولكن لا بد من حسن الاختيار، فقد ظهر علينا من يتدخل في حوار تخصصي لطبيب أو عالم نفس، وهو لم يُكمل الابتدائية، وقُدم للناس على أنه مقدم برامج!؟ فيدخل في الحوار دخولاً غير مؤدب وغير إيجابي، أي أنه لا يعرف أي معلومة حول الحديث المطروق، ومع الأسف ما زال هذا الخطأ يتكرر على بعض الشاشات دونما مساءلة أو محاولة لإصلاحه. مشكلتنا نحن جيل المخضرمين أننا درسنا الإعلام جيداً، وحاسبونا على النقطة والفاصلة، وعاقبونا إن خرجنا على الذوق أو الأخلاق، وعلمونا الرصانة واحترام كرامة المشاهدين والمستمعين، لكن بعض جيل الشباب لا يريد أن يتعب في تعلّم اللغة العربية، أو التدرب على حسن النطق أو الدخول في دورات متخصصة للإلمام بالعمل الإذاعي والتليفزيوني، إنه يريد «السهالة» و«سوالف العنّة» -مكان الرحلة- وحكايا «شاي الضحى» بلا خلفية ثقافية أو معرفية، فإذا ما تمأسس هذا الجيل على هذه المعرفيات -إن تصلح لها كلمة معرفيات- «الهشة» كيف لنا أن نتصور أنه سيقود الإعلام؟! بل كيف سيكون شكل هذا المذيع أو تلك المذيعة بعد أن يقضيا ثلاثين عاماً على هذا «التشكل العبثي»؟! وما هو الناتج المأمول من مشاركة مثل هؤلاء في التنمية الشاملة في أي بلد!؟