بحضور محافظ جدة .. القنصلية العمانية تحتفل باليوم الوطني لبلادها    القيادة تعزّي الرئيس الصيني في ضحايا حريق المجمع السكني بهونغ كونغ    أمران ملكيان بالتمديد لنائب ومساعد وزير الاقتصاد 4 سنوات    دعم فرص الرواد في مكة    1.7 مليار ريال صادرات التمور السعودية    تمويلات مليارية لمشروعات (المتجددة)    طالبت مجلس الأمن بالتصدي للانتهاكات السافرة.. السعودية ترفض الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا    مصر تؤكد ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    وسط ضغوط سياسية وقضائية.. جدل التجنيد يتجدد في إسرائيل    الاتحاد يقصي الشباب ويتأهل لنصف نهائي أغلى الكؤوس    الفرنسي «سيباستيان أوجيه» يتوج ببطولة العالم للراليات في جدة    في المرحلة ال 13 من الدوري الإنجليزي.. ديربي ناري بين تشيلسي وآرسنال.. وليفربول ويونايتد ينشدان التعويض    الزهراني يحتفل بزواج عارف    إغلاق 1.3 ألف منشأة مخالفة بحملة «مكة تصحح»    لبّان بروفيسوراً    80 ألف زائر لكأس نادي الصقور 2025 بالشرقية    فيلم سعودي يستعيد بطولات رجال مكافحة المخدرات    احتضنته جزيرة شورى في البحر الأحمر بحضور الفيصل والدوسري.. وزارة الرياضة تنظم لقاء يجمع قيادات وسائل الإعلام السعودية    أطعمة تساعد على النوم العميق    استشاري: ألم الصدر المتغير غالباً ما يكون عضلياً    تتويج فريق فيكتوري من الإمارات بجائزة جدة الكبرى 2025    رباعيات «الزعيم» و«العميد» تقودهما لنصف نهائي كأس الملك    الأخضر يتدرب في الدوحة    ليوناردو.. ماكينة أهداف لا تتوقف في الهلال    أمير الشرقية يطّلع على مشروعات حماية البيئات البحرية.. ويستقبل مجلس «سقياهم»    الاحتلال قتل 130 طفلاً و54 امرأة منذ وقف إطلاق النار بغزة    الربيعة: تنمية العمل الإغاثي على أُسس سليمة وقواعد راسخة    القبض على سارقي مواشٍ بالطائف    كراكاس تندد ب «تهديد استعماري» بعد اعتبار ترامب مجال فنزويلا الجوي مغلقاً    اجتماع أوبك+ اليوم.. توقعات ترجح عدم تغير سياستها الإنتاجية    توقيع 12 اتفاقية نوعية ترسّخ ريادة المملكة في إنتاج وتصنيع التمور    تركي آل الشيخ يترأس مؤتمر الموسيقى العربية في الرياض    «نور الرياض».. خمس سنوات من الإبداع والتحوّل العالمي    حماية النشء في منصات التواصل    ثقافة الاعتذار    أمير جازان يعزي أسرة المحنشي    حبيبي راح    50 مركبة تعبر منافذ المملكة كل دقيقة    الفضة يسابق الذهب ويرتفع 30%    عودة 7 ملايين طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة بعد إجازة الخريف    3.36% تراجع أسبوعي لتداول    القنفذة الأقل ب4 أطباء نفسيين فقط    موجة انتقادات متجددة لShein    أفريقيا تعلق عضوية غينيا بيساو    المملكة تعلن عن نجاح إطلاق قمرين صناعيين سعوديين    القبض على 7 يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الفرنسي "سيباستيان أوجيه" يخطف لقب بطولة العالم للراليات في جدة    ضبط 1667 متسللا لداخل الحدود    آل الشيخ ل الوطن: المملكة تحمل لواء الوسطية والاعتدال حول العالم    أمير حائل يدشن مستشفى حائل العام الجديد غداً الأحد ب 499 مليون ريال    مدير إقليمي وافد يعلن إسلامه متأثرا بأخلاق المجتمع السعودي والقيم الإسلامية    التجييش الناعم والخطر الصامت    80 ألف زائر لكأس نادي الصقور 2025 بالشرقية    من الشرق إلى الغرب واثق الخطى يمشي.. «محمد»        استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية الفلبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة مهيمنة واحدة
نشر في الشرق يوم 27 - 03 - 2014

يمثل تعدد اللغات عائقا للتواصل البشري منذ القدم. ويبدو أثر هذا التعدد بأوضح صوَره في المجال العلمي، والتواصل في المنظمات الدولية المعاصرة، والمنظمات الإقليمية التي لا تجمع بين دولها لغة مشتركة. وقد حاول البشر منذ القديم كسر هذا العائق بصور شتى.
أما في المجال العلمي فقد حُلَّت مشكلة التعدد غالبا باستخدام لغة معينة وسيطا بين الباحثين الذين ينتمون إلى لغات مختلفة. وقد شهدت مناطق عدة من العالم طوال التاريخ نشوء العلم وازدهاره فيها، وهو ما أدى إلى استخدام لغاتها في التعبير عنه، واضطرار الباحثين من لغات مختلفة إلى تعلمها واستخدامها.
ومن اللغات التي استُخدمت لغة للعلم في فترات تاريخية ماضية اليونانية والعربية واللاتينية والألمانية والفرنسية. وتصدت الإنجليزية منذ بدايات القرن العشرين خاصة لهذا الدور فصارت لغة عالمية للعلم. وكنت أشرت في مقال سابق إلى تحول الإنجليزية إلى وسيط يكاد يكون وحيدا للنشر العلمي في العالم كله في العصر الحاضر، بل صارت لغة لتدريسه حتى في ثقافات عرف عنها التعصب الشديد للغاتها كالألمانية والفرنسية، إذ تزعم أن لغاتها أكثر اللغات ملاءمة للتعبير عن العلم، ويصدق ذلك على ثقافات كانت لغاتها مكونا أساسيا في مشروع تأسيس الدولة كالعبرية في «إسرائيل»، مثلا.
ويشكو متكلمو اللغات المختلفة الآن من «هيمنة» الإنجليزية، وتهديدها للغاتهم، ويتهمونها بالتسبب في تخلفها المستمر نتيجة لعدم استخدامها في البحث العلمي وتدريس العلوم البحثة. وهي شكوى تماثل شكوانا نحن العرب منذ عقود ومناداتنا المستمرة باستخدام العربية وحدها في تدريس العلوم والنشر العلمي.
وعلى خلاف ما يُظَن فإن كثيرا من الباحثين الذين ينتمون إلى الإنجليزية ليسوا سعداء بانفرادها لغة وحيدة للعلم المعاصر. إذ ينادون بالحد من هذه الأحادية اللغوية. وهناك أبحاث كثيرة تعرض لهذه المشكلة وتبين تأثيراتها السلبية على العلم بمجمله.
ومن آخر ما كُتب في هذا المجال كتاب:
Does Science Need a Global Language? English and the Future of Research. By Scott Montgomery, 2013
«هل يحتاج العلم إلى لغة معولمة؟: الإنجليزية ومستقبل البحث (العلمي)»، ونشرت مجلة العلوم الأمريكية «ساينس» Science مراجعة موجزة له في عددها الصادر في 2014/1/22م كتبها الأستاذ الجامعي الكندي يائيل بيليد Yael Peled، ص ص 250251.
يشير بيليد إلى أن الكتاب جاء في وقته ليكشف قضية تحوُّل الإنجليزية إلى لغة عالمية مشتركة Lingua Franca بصفتها الوسيط الأهم للتواصل العلمي العالمي. ويشير إلى أن أكثر ما تناقش هذه القضية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولا تناقش بدرجة الاهتمام نفسها في مجالات التقنية والعلوم البحتة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات. وربما يعود ذلك، كما يقول، إلى أن إجادة الإنجليزية في هذه العلوم صارت متطلبا ضروريا بدلا من كونه قضية مطروحة للنقاش. وربما يعود تكرار إثارة هذه القضية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى التصاق هذه العلوم بالثقافات المحلية في مقابل بُعد العلوم البحتة عنها.
يشير مؤلف الكتاب إلى منافع مهمة لوجود لغة معولمة مشتركة بين الباحثين في العالم على اختلاف لغاتهم الأولى. ومن ذلك التفاعل المباشر مع الأبحاث الجديدة المكتوبة بتلك اللغة (وهي الإنجليزية في العصر الحاضر) بدلا من اللجوء إلى وسيط كالترجمة التي ربما لا تحقق وصول نتائج الأبحاث العلمية إلى المهتمين بها بالسرعة والكفاءة المطلوبين. ومنها أن الباحث يحقق بالكتابة بهذه اللغة حضورا عالميا يكون له مردود اجتماعي أو اقتصادي ربما لا يحققه لو كتب بلغته المحلية، إلى غير ذلك. ويصف المؤلف هذا الاطلاع المباشر على الأبحاث المكتوبة بالإنجليزية بأنه من قبيل «الدقرطة» للمعرفة الإنسانية والأبحاث العلمية على وجه أخص، وهي التي يتحقق بها إسهام الباحثين من مختلف أنحاء العالم في إغناء العلوم والاشتراك في إنتاجها والاستفادة من تجارب الباحثين الآخرين من أنحاء العالم كذلك.
لكن بيليد يرى أنه مع أهمية هذه المنافع إلا أن هناك مشكلات علمية حقيقية تنتج عن إهمال اللغات غير الإنجليزية. ومن أبرزها أن المؤسسات التي ترصد الأبحاث في العالم، من أجل تبيين آفاق التقدم البحثي في العلوم كافة، تحصر اهتمامها بالأبحاث المكتوبة بالإنجليزية في مقابل ما يكاد يكون إهمالا تاما لما ينشر من أبحاث باللغات الأخرى. ويؤدي هذا الإعراض الرصدي إلى حرمان الباحثين الذين لا يعرفون تلك اللغات من الاطلاع على تلك الأبحاث، وهو ما يؤثر على نمو المعارف العلمية التي كان المفروض أن يستفيدوا منها لتطوير تخصصاتهم العلمية. بل يمكن أن يعد تجاهل الأبحاث باللغات غير الإنجليزية حكما بعدم قيمتها العلمية. وهذا ما تشهد بعدم صحته بعض المؤسسات التي تهتم برصد الأبحاث بغير الإنجليزية.
ويتمثل مشكل اختلاف اللغات والبحث عن لغة معولمة مشتركة في المأزق الذي تواجهه المنظمات الدولية. وقد لجأت الأمم المتحدة إلى الاقتصار على ست لغات حلا لمشكل تعدد اللغات لضمان التفاهم عن طريق الترجمة وإلزام ممثلي الدول الذين يتكلمون لغات أخرى باستخدام إحدى تلك اللغات بديلا عن لغاتهم.
ويعد الوضع اللغوي المتعدد لدول الاتحاد الأوروبي الآن مثالا واضحا لمشكل التعدد اللغوي في المنظمات الإقليمية التي لا يجمع بين دولها لغة واحدة. إذ يبلغ عدد اللغات فيه 24 لغة. ويصور مقال نشرته نيويورك تايمز (2014/3/16) بعنوان:
E.U. Fights to Get Everyone Speaking Same Language on Education
«الاتحاد الأوروبي يكافح لأن يتكلم الجميع اللغة نفسها في مجال التعليم»، هذا الوضع والمحاولات المتتالية لإيجاد طريقة للتعامل معه.
وكان قادة حكومات الاتحاد الأوروبي دعوا في سنة 2002م إلى تعليم لغتين في الأقل منذ سنوات الطفولة المبكرة، كما أعلنت إحدى اللجان العليا في الاتحاد عن خطة بعيدة المدى لزيادة أعداد مواطني الاتحاد متعددي اللغة حتى يجيد كل منهم لغتين أخريين في الأقل بالإضافة إلى لغته الأم. ويشير المقال إلى أن تعلم لغة أجنبية يضمن التعدد والاندماج الاجتماعي والحوار بين الثقافات في أوروبا وما وراءها.
ومع تكرار طرح أهداف التعدد اللغوي طوال أكثر من عقد إلا أن الجهود لتحقيقها ما زالت تراوح مكانها، ولاتزال نسبة الذين يحققون مستوى مقبولا في لغة ثانية في الاتحاد متدنية. وهناك برامج متعددة بموازنات ضخمة لتحقيق تلك الأهداف بنهاية هذا العقد. لكن هناك صعوبات جمة لتحقيقها لأنها تحتاج إلى تغيير يكاد يكون كليا للنظام التعليمي، كما يقول المقال.
ومن المصاعب التي يشير إليها أحد السياسيين الهولنديين أن مستويات الطلاب الهولنديين متدنية في لغتهم الأم فكيف يراد منهم أن يتكلموا لغتين أجنبيتين بطلاقة؟! وتتمتع الإنجليزية بأنها تكاد تكون اللغة الأجنبية الأولى في أكثر دول الاتحاد وتعلم منذ سن السادسة.
وأمام هيمنة الإنجليزية هذه يحاول متكلمو اللغات الأخرى في دول الاتحاد الدفاع عن مكانة لغاتهم واستخدامها في الثقافة والتجارة. واتقاء للمشكلات التي يمكن أن تثور في هذا الصدد لم يتخذ الاتحاد أية خطوة لتفضيل لغة على أخرى.
وبعد هذا كله يمكن القول بأنه لا غنى للباحث المعاصر خاصة، ومنه الباحث العربي، عن إجادة لغة أخرى، في الأقل، إلى جانب لغته الأولى. وربما كانت الإنجليزية الآن الخيار الأول للاتصال بإنجازات الأبحاث العلمية المتنوعة المعاصرة إذ صارت الوسيط العالمي الأول بين الباحثين في العالم كله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.