صديقي الدرقاوي في مدينة الجديدة المغربي روى لي هذه القصة، وأنا أرويها بدوري لقرائي؛ فأنا كما يقول ابن القيم في صيد الخاطر إن عابرة من القول ونافلة من الاستحسان تفجر موهبة الكتابة بعد السماع والقراءة، وهي نصيحتي بدوري لقرائي أن يكتبوا أي شيء، ولو لم يكن له قيمة بزعم أحدهم.؟ قال الدرقاوي المغربي إن رجلاً من البرامكة فكّر مليّا في ما وصل إليه القوم من العزة والمنعة والعلو، وكما يقول ابن خلدون في المقدمة وهو يفند قول من نقل أن هارون الرشيد بطش بهم لأن ابن البرمكي زنا بالعباسة أخت الرشيد فحملت منه. هنا يأتي ابن خلدون على كامل أساطير النقل فيعرضها لنار محرقة، ويذكر ست قواعد في صحة نقل الأخبار بتمريرها في غربال النقد بست فتحات، وصاحبنا الدرقاوي من الجديدة في المغرب قال لي لقد رأى صاحبنا ما جعله يفكر جدياً في خطة خلاص مستقبلية فعمد إلى قاض نزيه معتبر محكم فكتب فيها أنه بريء من البرامكة بالطول والعرض، وأنه لا ينتسب لهم لا بالعرق أو الدم أو ما يفعلون. فعل هذا ثم خبأ الوثيقة وبدأ يعد الأيام والشهور والسنين، وهو يقول سيأتي ذلك اليوم الذي تنفعني براءتي منهم. فعلا كما يقول ابن خلدون في المقدمة وأنصح قرائي بتتبع الواقعة ومراجعتها فقد حل يوم الغضب كما في فيلم (Wrath) حين اختبأ اليهود في إسبانيا تحت كل مسمّى. يقول ابن خلدون إن بيتاً من الشعر كان الشرارة التي أحرقت عروش البرمكيين (ليت هندا أنجزتنا ما تعد إنما العاجز من لا يستبد). أرسل الخبثاء مغنية بعود ونغم (حصل أيضاً مع الكاردينال ولسي والملك هنري الثامن فهي قصة مكررة في كل قصر وعصر وحاشية وحاكم) فبدأت تنشد هذا الشعر في مجلس هارون الرشيد فصدفت لحظة منحوسة، كما يقول القرآن في يوم نحس مستمر. صاح الرشيد نعم أنا العاجز ثم التفت إلى البرامكة الذين ربوه وكانت له منهم أم في الرضاعة وأخ. لم يلتفت لكل ذلك فبطش بهم بطشاً لم يبق منهم شيء سوى حارة في دمشق اسمها حي البرامكة. قال لي الدرقاوي المغربي صاحبنا الذي كتب كتاب البراءة إن جند الرشيد جاءوه فجابهوه فأخرج الكتاب فنجا. فقال لهم صاحبه أما أنك صاحب عقل وفطنة كيف وصلت إلى ما وصلت وكتبت ما استكتبت؟ قال هي واقعة رأيتها يوماً والرشيد صغير بعد حين كان مع البرمكي فوقفا أمام شجرة مثمرة؛ فلم يصلا إلى الثمرة إلا بعد أن اعتلى البرمكي كتفي الرشيد، ثم هوى قلت هذه نهايتهم فاتعظ؟ التفت أنا إلى الدرقاوي وقلت له إنها قصة تقص كي يتعظ الناس منها وهي عبرة للغافلين ويقظة للساهين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . هكذا يكرر القرآن عن تأثر الناس بأحداث التاريخ؟ هل سمعتم نهاية يانكوفيتش الرئيس الأوكراني في فبراير 2014 م وكيف هرب وفازت المعارضة؟ هل يا ترى يتعظ بشار الكيماوي فيهرب قبل أن يتحول لحمه إلى سلامي أكرر سلامي (بسطرما أرمنية) وليس سلام؟ وهل يتبرأ العلويون من العصابة الأسدية قبل فوات الأوان؟