مع تزايد عدد المتكلمين حول قضية التغيير، ما زلنا نلحظ انخفاضا في مستوى التطبيق الفعلي لهذه النداءات النظرية، ليس على مستوى المتلقي من عامة الناس فقط، بل يشمل في كثير من الحالات المنادين بالتغيير أنفسهم، ذلك لأن القول أسهل بكثير من التطبيق، فالتغيير ليس أمراً سهلاً كما يظنه البعض، لعدة أسباب نذكر منها: أولاً، أن التغيير عملية ذاتية، تعتمد اعتمادا كلياً على رغبة الإنسان الحقيقية في إحداثه، فمهما تعددت دروسه النظرية، لن تجنى فوائدها ما لم تسكن الإنسان الرغبة الجادة والعزيمة الثابتة على تطبيقه بشكل واقعي وملموس، ليُساهم بدوره في صناعة التطوير الإنساني، وهذا ما يُعلل مشاهدتنا لتحولات سريعة في حياة الأشخاص المتجددين، فهي دلالة على مرونة تفكيرهم وإيجابيته مهما تعقد المحيط من حولهم، لأنهم يؤمنون بأن التغيير الإيجابي يبدأ من جوهر الفرد الإيجابي، بينما نجده أمراً شبه مستحيل مع غيرهم، نظراً لتعصبهم لآرائهم حول القضايا، بصرف النظر عن نوعها. المصلحة الشخصية، التي تعتبر سبباً رئيسياً في سعادة الإنسان، تصدم هي الأخرى واقع التغيير، وهنا لا يقتصر حديثنا حول التغييرات السلبية التي تضر بحياة الأفراد، بل حتى في تطبيق المبادئ والقوانين العادلة، فحين يُطلب من مسؤول تقييم أداء مجموعة متقدمة لوظيفة ما، قد ينحاز التقييم لشخص دون آخر، لمصلحة خاصة مرجوة، وهنا لم يستجب الإنسان لنداء العدل، وهكذا تظل عجلة التغيير تدور في مكانها. ولا نغفل عن أمرٍ واقعي ومعاصر، يرتبط بمفهوم التغيير لدى الإنسان، الذي يتجه إلى بعدين مختلفين، فالأول يكون نحو الأفضل، والتالي إلى الأسوأ، ونظراً لتفاوت تقييم الأول والثاني بالنسبة للأفراد، تصبح عملية التغيير شائكة جداً، فمرونة بعض الأشخاص وتجاوبهم مع مثيرات التغيير، قد تصل أقصاها فيصبح التغيير حاجة نفسية يطلبها الإنسان في مختلف جوانب حياته بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. أما عن إعراض البعض الآخر عن أي تغيير مُستحدث، فهذه مُشكلة قائمة بذاتها. وحتى يتحقق الهدف من التغيير الإيجابي في المجتمع، فنحن بحاجة إلى رغبة الأفراد في إحداث هذا التحول، حيث إنه ينطلق من رغبة الإنسان الداخلية، استنادا إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[الرعد:11]. بالإضافة إلى بعض العوامل التي بدورها تُساعد على تفعيله على أرض الواقع، لهذا نرى كثيرا من محاولات التغيير، لا تعطي نتائج تستحق الفخر، لأن الجهد الذي يُبذل، لا يتناسب أبداً مع العائد الحقيقي، مما يتسبب في إحباط الجميع. وبعد الاستماع إلى مختلف ألسنة كثير من المتطلعين للتغيير في شتى المجالات، علينا الوقوف الجاد من أجل تحديد ما نؤمن بضرورة تغييره، وما لا يجب تغييره من المواضيع التي تعتبر عناصر أساسية في حياة الإنسان السويّ، كالقيم النبيلة والدين، فتلك يجب أن تكون منطلقات ثابتة، تعمل على تطوير الإنسان وإثبات خلافته في الأرض، وقدرته على إعمارها بشكل مُنظم لقوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ﴾.