برّأ المحقق والباحث العراقي الدكتور بشار عواد المستشرقين من تهمة طمس وتغيير الكتب بعد تحقيقها. وأشار الدكتور عواد في محاضرة عن «منهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين» في نادي أبها الأدبي بالتعاون مع قسم التاريخ في جامعة الملك خالد، التي أدارها الدكتور صالح أبوعراد، إلى أنّه لا بأس من إعادة تحقيق ما حققه المستشرقون. وأضاف أنّ نشرات المستشرقين جيدة ولكنّ المصريين كانوا يأخذون نشرات المستشرقين فينشرونها كما هي بأخطائها برغم ادعائهم تحقيقها وهم كاذبون في ذلك، ومنهم إبراهيم الإبياري. لأنّ الأخطاء التي وقع فيها الإبياري هي ذاتها التي وقع فيها المستشرقون، واستشهد على ذلك بكتاب الطبري الذي نشره المستشرقون وأعاده أبوالفضل إبراهيم ولم يضِف فيه شيئاً لما فعله المستشرقون. وطالب الدكتور عواد المحققين بأن يبينوا في المقدمات لمن يقرأ لهم قيمة النصوص التي اختاروها للتحقيق مقارنة بالمواضيع الأخرى، وما الإضافات التي أضافوها، وما هي المنهجية التي اتبعوها، وما الموارد التي اعتمدوا عليها، وما قيمة النص بالنسبة للمؤلفات اللاحقة له، حتّى لا تكون لدينا دراسات قاصرة في الماجستير أو الدكتوراة؟! وذكر الدكتور عواد أن هناك أموراً ينبغي مراعاتها في التحقيق كمراعاة التخصص واختيار النصّ الجيّد وجمع النسخ والمقابلة بينها وضبط النصّ. وأشار إلى أنّ الواجب على المحقق الجيّد إذا وجد خطأ أن يشير إليه، وإن لم يكن من أصل التحقيق. ولفت إلى أنّ الأرقام التي تظهر في الكتب ظهرت متأخرة في القرن الخامس والسادس والسابع، وهي تختلف عن الكتابة الهندية. وأضاف أنّ ما يسميه الغربيون بالحروف العربية لا أصل له في المخطوطات حتى الأندلسية والمغاربية. ونفى الدكتور عواد ما قاله أحد المداخلين من أنّ كتب الأدب لم يُعتنَ بها كثيراً، حيث أشار إلى أنّ كثيراً من الأدباء عنوا بكتب الأدب ولم يُترك كتاب في الأدب إلا وحقق، إلّا إذا كنتم تنظرون بعين المجتمع الذي تعيشون فيه في المجتمع السعودي، برغم قيام نهضة مباركة فيه إلاّ أنّ المساجد لا تدرس إلّا الحديث والفقه ولا تدرّس الأدب، لأن اهتمام الناس اهتمام ديني أبعد الناس عن هذه الأعمال. وأضاف أنّ كتب الأدب في التحقيق والطباعة فاقت الكتب الأخرى، حيث سبقت كتب الحديث والفقه في الطباعة والتحقيق. ونفى أن يكون الهنود هم من ابتدع طباعة كتب الأدب لأنّ الكتب الأساسية طبعها المستشرقون وأكثرها اشتغل عليها العرب في مصر والشام والعراق. وأضاف أنّه لم يبقَ ديوان من دواوين المتقدمين إلاّ وطبع. أما العلم في الحديث فقد جاء متأخراً. أمّا كتب الرجال فقد ابتدأ بها الهنود ثم تبعهم العرب. وأشار عواد إلى أنّه ليس بالضرورة أن يكون المحقق مؤرخاً أو على الأقل عالماً بالتاريخ، لكن يجب أن يكون في التاريخ مؤرخاً، وفي الفقه فقيهاً، وفي الحديث محدثاً. ونفى أن يكون محققاً في الأدب، لأنّه ليس من فرسان الأدب كما قال، لكنّه يجيد التحقيق في التراجم والتاريخ والحديث، وبغير هذه العلوم لا يشتغل في التحقيق، ولو كان هناك شعر في كتب يشتغل عليها فإنّه يستعين بأشخاص آخرين، وقد كان يعينه في الأغلب ابن خالته وليد الأعظمي. وأشار إلى أنّ له ثلاثة كتب ينصح بقراءتها في التحقيق، وكذلك مقدمات كتبه. وبشّر بأنّ مستقبل تحقيق التراث جيد في ظل وجود تلاميذ لأساتذة كبار. وذكر أنّه لا ينصح بتحقيق مخطوط لأحد، ولا يجوز لأستاذ أن يقترح على أحد طلابه تحقيق مخطوط بعينه، بل تترك حرية الاختيار للمحقّق ذاته. وفي إجابته عن سؤال لأحد الحاضرين عن البحث العلمي في جامعة بغداد، قال الدكتور عواد: مع الأسف البحث العلمي في بغداد وصل إلى درجة الانحطاط الكامل بعد أن سيطر الإيرانيون على العراق الذي سلّمه الأمريكيون للإيرانيين ليحكموه بغية تدمير ما بقي من علم في العراق. وعن فؤاد سزكين، قال إنّه ليس من علماء الحديث. وليس كل من كتب في الحديث هو من أهل الحديث، لكنّه بلا شك واحد من أهمّ علماء التراث المتقنين. وعن الفقه الحنبلي، أشار الدكتور عواد إلى أنّ الإمام أحمد لم يكن يحبّ الفقه كثيراً. وكان يكره كتب الشافعي مع محبته له. أمّا كون الحنابلة أهل الحديث فهذا صحيح، ولكن هذا لا يعني أن علماء المذاهب الأخرى لم يكونوا من كبار المحدثين. وعن الكتب التي تمنّى تحقيقها، قال: كل الكتب التي تمنيت تحقيقها حققتها. وكنت أتمنى أن يوجد كتاب نيسابور للحاكم لأحققه، ولكنه لا يوجد.