مقالي هذا يعتمد بشكل كبير على تحقيق صحفي ممتاز أعده الزميل محسن مريشيد لصالح جريدة الرياض الثلاثاء الماضي، الذي كان عنوانه: «ربع قرن على نظام مجلس الشورى.. متى نتحرك؟». لقد قال صاحب التحقيق وضيوفه، ما يجب أن يقال وكأنه تكلم بكل لسان السعوديين، فقد وصف الإشكالية التي يعاني منها مجلس الشورى، ووضع كل الحلول والتطلعات لتطويره. وإني لأجد أن مضمون الكلام وحبكته كانت سامية جداً، إلى درجة لو أن الأعراف الصحفية تسمح لاكتفيت باقتباس ما قيل في التحقيق دون أن أزيد عليه من فرط إعجابي بما كتبه. بصراحة، عندما قرأت عنوان التحقيق لم أصدِّق عيني.. فقد كانت مفاجأة سارة بالنسبة لي أن يكتب حول هذا الموضوع، وفي هذا الوقت بالذات.. فحبي الذي أشاطره مع كل مواطني هذا البلد المعطاء، يجعلني أتطلع لما يفيده قيادة وشعباً، ولما يحقق له الاستقرار على كافة الأصعدة، من أجل أن تسير عجلة التنمية على الجادة الصحيحة كي تدوم وتستمر دون أن أي تقهقر أو تراجع. يصف الزميل سالم في تحقيقه حال مجلس الشورى بصورته الحالية بقوله: «وقد علّق المواطنون آمالاً كبيرة على مجلس الشورى وما زالوا، خاصةً بعد أن تعددت لجانه، وأصبحت تدار من قبل أشخاص مؤهلين في مختلف الجوانب، إلاّ أن الواقع يتطلب جهداً أكبر، وصلاحيات أوسع، ولن تتحقق دون النظر في نظام مجلس الشورى الذي مضى عليه (23 عاماً) دون أن يكون هناك تطوير وتحديث لمواده، وحدود عمله وصلاحياته». ويتابع على نفس النهج بوضع الحلول والاقتراحات لتطوير المجلس بقوله: «إن التطورات المتلاحقة في المملكة والعالم تدعو إلى إعادة النظر في عمل مجلس الشورى، على أن يتم تعيين نصف أعضائه بالانتخاب – مرحلة أولى-، ومنحهم صلاحيات كبيرة، وتحديداً في الرقابة على المال العام، ومناقشة ميزانية الدولة، واستجواب كبار المسؤولين التنفيذيين، إضافةً إلى زيارة رؤساء وأعضاء اللجان إلى المناطق والاستماع إلى احتياجات المواطن عن قرب وعدم الاكتفاء بالتقارير السنوية للجهات الحكومية، وأن تكون قرارات المجلس ملزمة وليست مجرد توصيات يتم التصويت عليها». قصة مجلس الشورى في المملكة قديمة، حيث كانت بدايته مبكرة كما يوردها موقع الويكيبيديا. إذ كانت أول جلسة له عقدت برئاسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود – رحمه الله – في عام 1927م، أي حوالي قبل أكثر من ثمانين عاماً!!. وقال فيها جلالته كلاماً يسطر بالذهب حيث قال: «علينا اتباع ما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم – تنفيذاً لأمره سبحانه وتعالى حيث قال: «وشاورهم في الأمر»، ثم قال: «ولو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لكفت». توقف العمل بمجلس الشورى منذ عام 1953 1954م، حتى أعيد تكوينه بصورته الحديثة في عهد الملك فهد – رحمه الله -، أي في عام 1412 ه/ 1992م. طبعاً شهد زيادة كبيرة في عدد أعضائه حتى وصل الآن إلى 150 عضواً. وتم وضع مقر دائم له. لكن صلاحياته اقتصرت على تقديمه دوراً استشارياً فقط. فلا يحق له اقتراح المواضيع، وإنما ينظر فقط في المواضيع التي تُحال إليه. وليس لقراراته صفة الإلزامية والنفاذ. وفي هذا السياق يقول الدكتور الزايدي في نفس التحقيق، كلاماً جميلاً أن نسمعه من عضو مجلس شورى سابق، حيث يقول: «عندما أعيدت كتابة نظام مجلس الشورى قبل ربع قرن، كان عليه أن يستفيد من تجربته السابقة التي تعطيه حق الإقرار والمحاسبة والمراقبة ومراجعة ميزانية الدولة واعتمادها، لكنه لم يفعل، وربما كان ذلك بسبب أن نشاطه آنذاك كان مُعطلاً، لكن نظامه كان موجوداً أو بالإمكان بعثه من جديد». وهذا يعني أن المجلس لم يتطور بشكل طبيعي وتدريجي. أي أنه لم يبدأ مجلساً معيناً وذا صفة استشارية ونضج وتحول إلى أن يكون مجلساً منتخباً بصورة كاملة أو جزئية وله صلاحيات تشريعية ملزمة. بدأ المجلس بصلاحيات كبيرة، وتوقف بعدها لسنين طويلة ثم عاد بصورة شكلية أكبر، من خلال زيادة عدد أعضائه وتعدد لجانه، ولكن دون صلاحيات نيابية حقيقية كما في الدول الأخرى. لذلك لا يمكن اعتبار مجلس الشورى مجلساً نيابياً ولا يطلق على أعضائه أنهم نواب ولكن أعضاء في مجلس الشورى. ولو تمعنا في حالة التجارب النيابية التي حصلت في الدول العربية الأخرى، كمصر والأردن واليمن، لو جدنا أن هذا النوع من التطور الديمقراطي، لم يأت بما كان يؤمل منه من ثمار التقدم في مجالات التنمية، بل كان في كثير من الأحوال حلبة جديدة للصراع، وانعكاساً لحالة التخلف والتشرذم السياسي بين الفرقاء السياسيين. باستثناء حالة دولة الكويت التي تُعد تجربتها ناجحة إلى حد كبير حتى الآن. ولهذا فقد يكون السبب في عدم تمتع مجلس الشورى الحالي بنفس الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها مجلس الشورى السابق، هو خشية أن يلعب دوراً معيقاً في مجال التنمية، أو أن يكون نواة للخلاف والصراع. في الواقع، لا أتصور أنه من الممكن أن يبقى المجلس فترة أطول من ذلك في هذه المرحلة التي أصبح حبيسها. فالمؤشرات تدل على أن المجتمع أصبح على درجة عالية من الثقافة والوعي بحيث يستطيع أن يتحمل مسؤولياته ويشارك في صنع مستقبله. وهذا سيكون له دور في رفع مستوى كفاءة عمل الوزارات، وتعزيز الشعور بالمواطنة.