رحلتي مع نصنا هذا تفرض على القارئ الكريم المهتمّ أن يكون النصّ أمامه كاملا، لأنه لا يمكنني أن أكلف الصفحة والقارئ تكرار ما هو في كتاب الإمتاع، حتّى لا أتحوّلَ إلى ما أمقته في كتب دكاترة مكاتب الخدمات والنسخ واللصق وسرقات آراء وآداب الأدباء، ولا الذين يقضون سنين عددا في جمع ما في الكتب التي صدرت سابقا ولاحقا ويسمون أعمالهم كتبا بحجة المنهجية والإحالة دون أن يؤمنوا بأنهم هم مصادر للمكان.. يهمني أن أحاول لفت نظر القارئ إلى الكم الهائل الذي حواه نص (ثابت) من مركّبات بنية المكان والإنسان..إنه نصّ بنيويّ في معمل اللغة والأرض الحيّتين حالياّ معا… ثابت بن سعيد الوادعي وجغرافية أحداثه في قرى (آل الصقر)، حول: الطلحة – راحة سنحان – راحة شريف – وادي يعوض – وادي شثاث – الرّهْوة – الفويد – الحرجة (وما أدراك ما حصون الحرجة التي لم تزل شاهدا على تاريخ عريق لم يكتبْ لأسبابنا التي تعرفونها)… جغرافية قبائل وأوطان وعشائر النص مع عائلات عربية عظيمة تعرف كلها حتى اليوم كآل (أبو ساق) في نجران، وقبيلة العجمان الذين نعرف منهم كثيرا هناك، إضافة إلى عرض المؤلف بعض مصطلحات الأرض التي تعرفونها جميعا كذكره تسمية أبي ساق حلفه بين بعض القبائل (فاطمة) لأنه فطمَ ما بينهم من إحنٍ وعداوات، ومن منكم لا يدرك كلمة (فَطَمَهُ منْ الشّيء)؟؟ سنة 942 ه أرسل سعيد الوادعي هذا النص إلى الأمير اليزيديّ عبدالله بن إبراهيم بن عايض. قمْ وحلّقْ واعلُ فأنت بريديْ برخاءٍ هبّتْ وفُزْ بالمزيدِ يمّمِ الطّورَ صانكَ الله وانهضْ كعقابِ الملاعِ في التّهْويدِ وارْسلِ اللّحنَ في مرابعِ أبها بغناءٍ وكلّ قولٍ حميدِ وورد في اعتداده بقومه ومكانه ذكر تفاصيل يستحيلُ على (دارة الملك عبدالعزيز) أن تقنع أيّ قارئ بأنّ الكتاب ونصوصه جاءت من غير هذا المكان، وكان عليها – حين تطوّعتْ بتنقية المكان مماّ وُجِدَ مكتوبا عنه – أن تقنعنا من هو الشاعر الذي نظم هذه النصوص في ما لو كان يسهلُ عليها ادّعاء التأليف لغير شعيب الدوسري، خصوصا أننا نعرف فقر الشّعر الفصيح في جزيرة العرب منذ قرون طويلة، ونعرف أكثر فقر ما كُتِبَ عن تاريخ المكان وأسباب محْوِ ما كان منه!! ومن هذه الأماكن التي لا يعرفها أمير الشعراء أحمد شوقي أو البارودي في زمن صدور الكتاب هذه الأماكن العميقة في قلب الأرض، لكننا نعلمها ونعرفها: – بني ماجور – تيهان – آل غنم (بني غنم)- آل امْجيش – آل زيدان – آل سرحان – آل زيدي- عضاضة – آل سكران – بني عبدالعوص..إلخ، ومن أراد الاطّلاع على قاموس البقية فالْيَعُدْ إلى النص في أصل الكتاب. والنص: منظومة تاريخية من (120) بيتا. اعتمد فيها الناظم البحر الخفيف بشكلٍ عام. يمتلئُ النّصّ بالقصور العروضيّ الشديد، حتّى يخرج عن بحره الأساسي بحيث يصعب نسبته إلى بحر، مماّ جعلنا نجدُ فيه فنّياّ سمة ولغةَ ذلكم الزّمن المفقود في المنطقة كتابيا، وما جعلني أقول بهذه السّمة: أنه لمْ يُروَ لنا في زمنه من هذه المنطقة نصّ شعريّ يستحقّ صفة الشاعرية، وأنّه سبقَ قدومَ العلماء العجيليين من بيت الفقيه إلى هنا بعقود قليلة والذين طبعوا المكان بنوع علمهم وأدبهم بعد قدومهم، ومن المعلوم أنّ مجيئهم إلى هنا كان من مبرراته حاجة المنطقة إلى علمهم وأدبهم في ضوء شحه.. هذا النص ليس شعرا على الإطلاق وإن حاول صاحبه القرب من لغة الشعر، بل هو تاريخ منظوم عموديّ الشكل صحيح القافية والرويّ موحّده.. ما أبهرني – وسيبهر القارئ له كاملا – هو تلكم الحمولة التي حواها من القبائل والعشائر والأوطان والأماكن، فمثلا: (جعفرٌ) (وازعٌ) قبائلُ مجْدٍ (ناجحٌ) والعطاء بن أسيد و(جرَيٌّ) و(آل عمرو) قبيلٌ و(بنو عبدلٍ) حماةُ الحدودِ حيّ كلّ الأباة (علكما) و(بنيالصّ قِ و(أبناء ألمع) كالأسودِ و(بني ويْمَنٍ) و(آل العزيزِ) حيِّ فيها (ربيعةً) بالجهودِ ليكتظّ النص حتى بيته (41) شاملا قبائل المنطقة من ديار مذحج وأراشة وشهران وناهس وألمع وسواهم من قبائل تهامة الشاميّة.. تفصيلٌ عجيبٌ نعرفه نحن، ولمْ يزلْ قائما قَبَليا واجتماعيا وعائليا ومكانيا، ويستطيع كل من أراد الوقوف على هذه الأماكن والقبائل والعشائر والعائلات كما وردت في النص أن يقف، ليعجبَ من عرف هذا من مشكلة (دارة الملك عبدالعزيز) في تحقيقها أن (ابن المجاور الدمشقي) ذكر أن منطقة نجران حين مروره عليها كانت تخضع لأمير غير اليزيديين، دون أن تدرك الدارة بتحقيقاتها أنّ كلّ أنواع الحكم في جزيرة العرب – عدا الحجاز تقريبا – كانت قبليّة خاضعة لسلطات ما، بل وأنّ حضارة القبيلة هنا لم ولن تزال سيدةً بشكلٍ أو بآخر، كما أنّ عقدة نقص أن ابن المجاور الدمشقي أو الطبري أو سواهما لم يقولوا من هناك شيئا يرضينا عن هذه الجزيرة عقدة لم تزل تطاردنا على كل المستويات، فإن لم يتحدّث المسعودي عن بلدتي ومكاني فلا تاريخ لي!!! دعوتي لكلّ قارئ يلمّ بالقراءة أن يطّلعَ على هذا النص في الكتاب، كما أدعو (دارة الملك عبدالعزيز) إلى إقامة ملتقى شعريّ لكبار الشعراء العرب – إن وجدَ منهم أحد – كيْ يستطيعوا نظم نص كهذا يحملُ كامل روح المكان جغرافيا وعادات وتقاليد وأعرافا، ولا مانع أن يخطئ أمراء الشعر في موازين الشعر على حساب منظومة تحمل روح جغرافيا وتاريخ المكان وقاموس ساكنيه.. تصويب : ورد في قراءتي الماضية رقم (7) ما يلي: والصَّلّ: حصى الوادي، مفرده: صَلّة، ولا أحد في هذا الإقليم لا يعرف هذا المصطلح.. وقد صوّبَني أديبانا الكبيران: محمد غريب الألمعي – أحمد عسيري إلى أنّ الصّلّ هو: سمّ الأفعى في الاستخدام الشعبي والسياقي للكلمة ضمن البيت. وهو واضح ، أما سبب خطأي فهو لجوئي إلى جغرافية اللفظة المستعملة من أفواه الشعب مباشرة دون معجميّة، وشهرة الصّلّ والصّلّة هنا مما أغراني بتفسير الكلمة بها وأبعدني عن سياقها الدالّ على السّمّ، إضافة إلى عدم علمي سابقا بدلالتها على السّمّيّة. شكرا لهما ولكل من صوّبَ لي رأيا.