كشفت دراسات ومسوحات جوية جيوفيزيائية عن وجود بؤر إشعاعية لغاز الرادون المشع في منطقة الدرع العربي وحدود الدرع العربي مع الغطاء الرسوبي. وأشار تقرير لهيئة المساحة الجيولوجية إلى أن دراسات ميدانية أجريت في هذا الصدد، مدعومة بقياسات مباشرة على عينات صخرية من المناطق التي اتضح أنها تقع في البؤر الإشعاعية المشار إليها، ويمكن من خلالها حساب مقدار الجرعة الإشعاعية التي يمكن أن يتم التعرض لها، في خطوات ستكون لها أهمية خاصة على أصعدة مختلفة. وربما أفادت هذه الدراسة في الكشف عن الأسباب الحقيقية للمعدلات المتزايدة من إصابات سرطان الرئة بين السعوديين، خاصة في المناطق التي ينشط فيها هذا الغاز فمن ناحية، بينت الهيئة أن ذلك سيقلل من خطر التعرض للإشعاع الطبيعي من خلال تحديد مواقع البؤر الإشعاعية التي تخطت الحدود المسموح بها دولياً. كما سيسهم في التعرف على مقدار الجرعة المنبعثة من المواد المستخدمة في البناء كما في حالة استخدام أحجار الزينة (الجرانيت). فضلاً عما سيسفر عنه هذا الجهد من معرفة مسارات التلوث الإشعاعي، حيث يمكن أن تنتقل العناصر المشعة ومصادرها المختلفة في عدة مسارات منها على سبيل المثال اختلاطها بمصادر مياه الشرب، كما يمكن انتقالها إلى مصادر الغذاء سواء النباتية أو الحيوانية وبالتالي إلى الإنسان. وينتظر أن يسهم ذلك في توفير نوع من المراقبة الدورية للنشاطات الإشعاعية التي يمكن أن تزيد من مقدار الخلفية الإشعاعية الطبيعية عند مقارنة نتائج المسوحات الميدانية والمعملية بالنتائج السابقة. كما سيسهم ذلك في إنشاء وإثراء قواعد المعلومات الجيولوجية أو الصحية التي تهتم بربط معدلات الإصابة بأمراض السرطان المختلفة بالبعد أو القرب من البؤر الإشعاعية ومقدار الجرعة الصادرة منها. وكشفت الهيئة عن أنه خلال السنوات الماضية تركز العمل على التدريب المتخصص في مجال القياسات الإشعاعية لأعضاء فرق العمل القائمة على مشاريع تحديد المناطق المشعة في المملكة، كما تم تنفيذ الدراسات الميدانية لعدد من المدن التي وقعت ضمن البؤر الإشعاعية. فقد تم التعرف على مقدار التعرض الإشعاعي الطبيعي لمدينة مكةالمكرمة. كما تم إجراء مسح ميداني لمدينة حائل باستخدام جهاز التحليل الطيفي ألجامي GR320 وتبعة إجراء تحليل معملي لعدد من العينات الصخرية باستخدام جهاز التحليل الطيفي الجامي عالي النقاوة. كما أنجزت الهيئة مشروعاً للدراسات الإشعاعية البيئية للمدينة المنورة، فضلاً خريطة النشاط الإشعاعي الطبيعي في المملكة. وأمكن للهيئة التعرف على معدلات التركيز المختلفة للعناصر المشعة الرئيسة اليورانيوم، الثوريوم والبوتاسيوم في صخور المملكة. وتكتسب هذه الدراسات أهمية خاصة من كونها تساعد على إنتاج خرائط لتوضيح مستويات النشاط الإشعاعي الطبيعي في المملكة، وذلك باستخدام بيانات المسح الإشعاعي المأخوذة من عمليات المسح السابقة. ويعتمد هذا المشروع على تحويل البيانات والخرائط الطيفية وغير الطيفية السابقة إلى هيئة رقمية. وتجرى دراسات جيوفيزيائية أرضية تفصيلية في مناطق مختارة لتحديد العلاقة بين تركيزات العناصر الإشعاعية والخصائص الصخرية. واستخدمت خرائط تظهر حساب مستويات الجرعة الإشعاعية وحجم المخاطر على البشر، وتوفير قاعدة طبيعية لتقويم التلوث الإشعاعي الصادر من الإنسان. ويشير تقرير الهيئة إلى أن الإشعاع الطبيعي يشكل ما مجموعه 81% من مجمل الإشعاع الذي يتعرض له الإنسان. وتبلغ نسبة الإشعاع الطبيعي المنبعث من التربة والصخور حوالي 8% وقد تم حساب المتوسط العالمي الكلي لها بحوالي 360 مل ريم في السنة وهو ما يعادل 3.6 مل سيفرت في السنة. ولذلك فإن التعرض الخارجي للإشعاع الطبيعي يبلغ 16% وهي نسبة يجب الاهتمام بها. ومؤخراً، وضعت عدة جهات من بينها «منظمة الصحة العالمية» معايير وحدودا لمقدار التعرض للإشعاع المؤين لما يشكله من خطر على جسم الإنسان وما ينتج عنه من أمراض خطيرة، كما أن تحديد المناطق المشعة يعتبر من الأمور الرئيسة والمكملة للمعلومات الأخرى المتوفرة من الخرائط الجيولوجية والخرائط الطبوجرافية وغيرها من المعلومات، ويمكن الاستفادة من معلومات وخرائط تحديد المناطق المشعة في عدة أمور كما سوف يتم إيضاحه لاحقاً. وتسعى الهيئة إلى تغطية مدن المملكة كافة للتعرف على تراكيز غاز الرادون في التربة خصوصاً تلك الواقعة ضمن البؤر الإشعاعية التي أظهرتها نتائج المسوحات الجيوفيزيائية السابقة. كما تستهدف مشروعاً طموحاً لقياس مقدار التعرض لغاز الرادون داخل المنازل، فضلاً عن مصادر التراكيز المرتفعة لغاز الرادون في التربة وطرق انتقالها. وتخطط لوضع تقارير إرشادية في طرق الوقاية من غاز الرادون وتقليل خطره، وإنشاء قاعدة معلومات توضح التراكيز لغاز الرادون في تربة المملكة. وقد أمكن دراسة تركيز غاز الرادون في تربة المدينةالمنورة، وتربة مدينة ينبع البحر، ومياه الآبار في مدينة جدة، فضلاً عن تربة ومنازل مدينة حائل. وأعدت الهيئة المواصفات الإشعاعية الآمنة لاستخدام مواد البناء وأحجار الزينة، وتجري حالياً دراسة مستوى تركيز الإشعاع في مدينة تبوك فضلاً عن الإشعاع الطبيعي وانبعاث غاز الرادون من أحجار الجرانيت. وتستخدم الهيئة في ذلك أحدث الأجهزة الحقلية المستخدمة في قياس تركيز غاز الرادون في التربة، ومنها، نظام Pylone-Ab-5 وهو نظام دولي يعتمد على قياس النبضات المنبعثة من غاز الرادون داخل الأنابيب المخصصة لذلك (Lucas cell) ويستخدم لقياس غاز الرادون داخل التربة وفي المياه. ونظام (Alpha Gard) وهو نظام عالمي ألماني الصنع متطور لمراقبة غاز الرادون في الماء والهواء والتربة وتعتمده منظمة الطاقة العالمية كنظام مراقبة خارجي. فضلاً عن نظام E-Perm لقياس غاز الرادون المنبعث داخل المنازل وهو نظام معتمد من منظمة الطاقة الدولية وتعتبر حساسيته عالية جداً. الرادون والسرطان ويأتي الرادون كثاني أكثر مسببات سرطان الرئة شيوعاً بعد التدخين. وينتج الرادون من الصخور الحاملة لليورانيوم، ويمكن أن يتسرب خلال الأرض وإلى المباني عبر الممرات التي تنشأ بسبب الصدوع والكسور والرواسب المنفذة. وتعتبر أحجار البناء التي تحتوي على معدن اليورانيوم مصدرا مهما لغاز الرادون في البيئة. ويعد غاز الرادون، وهو غاز يفوق وزن الهواء بسبعة أضعاف ونصف، مصدراً لنصف الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها الناس من المصادر الطبيعية مجتمعة، وهي أكبر بكثير من الجرعة الإشعاعية الناتجة عن النشاطات الصناعية المختلفة، ويعد هذا الغاز في كثير من الدول أعظم مصدر متواصل للإشعاع. ويتعرض الناس في بعض الأحيان إلى ثمانية أضعاف الحد الأقصى المسموح به لعمال المناجم، دون أن يدركوا هذا الخطر. ويتم التعرض لهذه الإشعاعات عادة من استنشاق الهواء المحمل بغاز الرادون المشع، وما يتولد عنه. ويشتد الخطر حين يستنشق الإنسان غاز الرادون أثناء الاستحمام بالماء الغني به. ويمثل وجود غاز الرادون في المنازل نوعاً من المخاطر البيئية التي تنتج عن استنشاقه لفترات طويلة الإصابة بسرطان الرئة. كما أنه يسهم عند تفككه بحوالي 47% من الإشعاعات المنبعثة من المصادر الطبيعية. وتنتج هذه الجرعة في معظمها من استنشاق النويدات المشعة وخاصة في الأماكن المغلقة حيث يميل غاز الرادون إلى التجمع فيها. وقد لوحظ التأثير السلبي لهذا الغاز منذ فترة طويلة وأن لم يتم التأكد من مدى خطورته ودوره في الإصابة بسرطان الرئة إلا مؤخراً. وبدراسة غاز الرادون يمكن الإسهام تقليل نسبة الإصابة بالسرطان فضلاً عن تحديد الأساسات المناسبة أثناء بناء المنازل اعتماداً على تركيز غاز الرادون في التربة، والتعرف على تركيز غاز الرادون المذاب في مياه الآبار الخاصة لينتشر بعد ذلك داخل المنازل عند استخدام هذه المياه.