بعد أيام معدودة سيفتح معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه وأدراجه للذين سيأتي بهم -على حد علمي- حبّهم للاطلاع والقراءة، وستعود مع افتتاحه كل التفاصيل التي يتسيّد بطولتها كل ما ليس له علاقة بالثقافة والأدب. ستشرق الشمس صبيحة ذلك اليوم وحرّاس الفضيلة والمناوئون لهم يتحينون فرص الصدام التي ستجعل منهم أبطالاً في نظر الذين يتحينون أيضاً فرص الدفاع عنهم. مشاهد تتكرر وأحداث تتطور ووزارة لا تتقدم ولا تتأخر، وجمهور عريض يتيه بين هوس الشراء وفراغ المعرفة تتجاذبه إعلانات الدور البرّاقة ووهم الفلاشات.. تلك الدور التي تبحث هي الأخرى عما وراء الكتاب من منفعة لا عن ما في الكتاب نفسه! وفي ردهات المعرض كُتّاب لا أعرف من أين جاءوا، يتبادلون الصور والابتسامات المبطنة، يحملون أقلامهم يطوفون حول منصات التوقيع يهرولون إلى الضوء المنبعث من آلات التصوير، ومؤلفاتهم تتثاءب على أرفف المكتبات بين كتب الطبخ وكتب تفسير الأحلام. هذه التفاصيل التي أتذكرها وأنا أتنقل بين زاوية وأخرى في المعرض تبعث الخوف البارد في رأسي من جديد على مستقبل الكتاب أو القيمة الحقيقية له في مجتمعنا. لا أستطيع أن أتصوّر أنني سأقوم في أحد الأيام بنشر كتاباتي لمجرد أنها أعجبت بعضهم، ليست العملية بهذه السهولة التي يراها بعض كتّابنا الذين فتنوا بزخرف المديح والإعجاب، إنها مسؤولية والتزام كبيران، فأنا حين أفكر بهذه الخطوة أتخيّل كتابي بعد عشر سنوات أين سيكون؟ وبيد من؟ وكيف كان تأثيره؟.. فالبقاء في ذاكرة الناس سنوات طويلة ليس أمراً هيناً.. فهم ليسوا ملزمين بالمحافظة عليك ولا على نسيانك ما لم تقدم لهم نفسك بالشكل الذي يكفل لك البقاء في أفكارهم واختياراتهم ونقاشاتهم. نريد أن نشعر بالقيمة الحقيقية للكتاب.. بالتأثير المحسوس له، فالكتاب في تاريخ الأمم كافة لم يكن مجرد ورق وغلاف فاخرين بل شمس من معرفة وحياة إضافية لحياتنا.