يتوقف زوار قرية الباحة التراثية عند آنية تراثية يسميها أهالي الباحة "المحصل" أو "الصحفة" مصنوعة من سعف النخيل تزينها بعض الخطوط الملونة الممتلئة بالتمور، وفي وسطها آنية أخرى ممتلئة بالسمن تتجول بين الحضور في المنصة الرئيسة، التي تُطل على المسرح المفتوح بقرية الباحة التراثية، وذلك إمعاناً في المحافظة على التراث وموروثات شعبية عديدة التي تقدمها القرية، والتي تسترعي انتباه الزوار، خصوصاً الأجانب منهم إضافة إلى تقديم الخبزة والعسل لهم، وهو ما يعكس طقوس الضيافة في الماضي البعيد، ففي الوقت الذي يتوافد فيه كبار الزوار والوفود على قرية الباحة التراثية يستقبلهم الجميع بحفاوة وبشر مرددين عبارة الترحيب الشهيرة "مرحباً هيل عد السيل". عن تلك الجماليات حدثنا رئيس وفد إمارة منطقة الباحة الأستاذ محمد غرم الله لافي قائلاً: أنا وزملائي في قرية الباحة التراثية نحرص على إظهار تراث وموروث منطقتنا من خلال ما يعرض ويقدم للزائرين من طقوس توارثتها الأجيال لتحقيق غايات وأهداف الجنادرية المتمثلة في ربط الماضي البعيد بالحاضر والمستقبل، مؤكداً أن هناك فريقاً متكاملاً يقوم بتلك المهام على أكمل وجه، بدءاً باستقبال الضيوف من قبل أفراد البيت عند مدخل القرية مروراً بهم في جولة على أرجاء القرية، حيث يوجد الحرفيون ومعارض الإدارات الحكومية والمطعم الشعبي وبيت البادية وما يقدمه من موروثات شعبية ويعد المنصة الرئيسة لإقامة الأمسيات الأدبية والثقافية والمحاضرات العلمية، التي تقام بشراكة مجتمعية مع جامعة الباحة والتربية والتعليم والنادي الأدبي إلى غير ذلك من المواقع في القرية التراثية، ومن ثم يتم التوجه بالضيوف إلى مقر الضيافة المعد لذلك، وهناك تقدم القهوة العربية والتمر والسمن والخبز البلدي والعسل في جو يسوده البشاشة وحسن الاستقبال. ويضيف علي بن جرادان العُمري رئيس لجنة الضيافة والاستقبال في قرية الباحة التراثية أن جدران القرية التراثية، التي تزينها خطوط ملونة بأشكال ثلاثية فتجد السقف يبدو من الخشب وفي وسط المجلس ينتصب عمود خشبي يسمى الزافر أو المرزح مليء بالنقوش يحمل فوقه الخشب، الذي يغطي كامل سقف المنزل، فيما تزين الفوانيس القديمة جنباته ومداخله، كما هو حال المنزل قديماً، وفي حال رغبة الزائر التجول ومشاهدة العرضة فيشاهدها من المنصة المطلة على المسرح، التي تم تجهيزها بجلسات يغلب عليها الطابع التراثي، وبعد جلوسهم يُقدم لهم التمر والسمن البري والقهوة العربية وعند رغبة الضيف في المغادرة يتم توديعه بحرارة لتكتمل بذلك طقوس الضيافة، التي نحرص على تقديمها والتي تعكس كرم إنسان الباحة، الذي جُبل على الحرص على إكرام الضيف. ولأن الباحة لا تترك زائريها دون أن تهديهم ما يذكرهم بها، فقد حرص الفريق المشارك على توفير باقات من النباتات العطرية للمنطقة كالكادي والريحان والبعيثران، وهذا ما يؤكد أن هدايانا للزوار تكون من منتجات المنطقة، وهذه الطقوس المتعددة تسترعي انتباه الزوار وتجذبهم نحو القرية. كما أن التنظيم المميز والطراز العمراني اللافت للنظر وتوزيع المهام وتعدد اللجان والمشاركين الذي تجاوز عددهم 250 مشاركاً، ووجود أجنحة متعددة الأغراض، التي ترمز إلى الحاضر الزاهر عبر معارض الإدارات الحكومية بالمنطقة دون شك أسهمت في حدوث تنوع يجذب الزوار وينقل الصورة الحقيقة التي وصلت لها منطقتنا في مجال التنمية المتعددة (التعليمية والصحية والثقافية والعمرانية والثقافية والسياحية.. إلخ) في ظل قيادتنا الرشيدة وبمتابعة وحرص من سمو أمير المنطقة يحفظه الله. وهذا ما يؤكده اللواء ناصر الغامدي مدير الدراسات الأمنية في كلية الملك فهد الأمنية سابقاً، حيث يقول إن من أسباب الإقبال الكثيف على القرية هو التنظيم المتميز، الذي يحظى به البيت وحسن الحفاوة والاستقبال وكرم الضيافة، حيث تم تخصيص مجلس تراثي لهذا الغرض ومزود بكل أشكال وطقوس الماضي الأمر، الذي يجعله محط أنظار الزائرين. كما يؤكد أن التنوع الشديد للفعاليات شكل عامل جذب قوياً، حيث مشهد البناء والبئر والمشغولات القديمة والعرضة والمتحف التراثي وصوت الربابة، الذي ينطلق من خيمة البادية والمدخل المميز على شكل حصنيين أثريين ووجود صالة للفعاليات النسائية جعلت الزائر لا يود مغادرة قرية الباحة التراثية. والوفود الأجنبية التي تزور القرية يسترعي انتباهها هذا التنظيم المميز ووجود فريق عمل يسابق الوقت لأجل إنجاز المهام، حيث تقوم اللجان النسائية بدور كبير في استقبال الزائرات وفي تقديم النشاطات النسائية التراثية، كما تقوم اللجنة الإعلامية بملاحقة ورصد الأخبار بشكل يومي عبر فريق عمل خصص له مركز إعلامي مزود بخدمة الإنترنت وأجهزة الحواسيب الآلية والطابعات، ويشير عبدالله علي حسن رئيس اللجنة الإعلامية في القرية التراثية إلى أن هذا المركز يرصد كل النشاطات ويقدم الخدمات الإعلامية لكل وسائل الإعلام أولاً بأول. ويؤكد أن توجيهات أمير المنطقة -يحفظه الله- وبمتابعة من وكيل الإمارة تؤكد إيلاء الجانب الإعلامي اهتماماً موازياً للجوانب الأخرى والعمل على رصد كل الفعاليات المتعلقة بنشاط البيت ورصد السلبيات ونواحي القصور وتقديمها للإدارة، مؤكداً وجود بث مباشر للفعاليات ووجود حسابات على وسائل التواصل ما يعني سرعة وصول الخبر للمتلقي. كما أن تميز الفنون الشعبية للقرية ووجود تنظيم مميز في المسرح عبر فريق عمل يقوم بالمهام التنظيمية بالتعاون مع رجال الأمن أسهمت كثيراً في ارتياح الزوار وبالتالي زيادة إقبالهم. وهذا ما يؤكده الدكتور هنري توماس عميد كلية العدالة والحقوق في جامعة نيو هايفين، الذي يقول أدهشني استقبال وفد الباحة لي، ولفت انتباهي جمال التنظيم ووجود فريق عمل متجانس يعمل بروح ظاهرة جعلتني أشعر بأن خلف هذا التنظيم قيادة واعية. ويضيف البيت بنمطه العمراني يبدو لافتاً وزاد عندما أجلسني الإخوة هنا في مجلسهم التراثي شعرت وكأنني أعيش مع أناس من الماضي، حيث دخلت المجلس المؤثث على طريقة الماضي بالكامل، ثم يمر شاب جميل المحيا تزين ثغره ابتسامة ود ظاهرة يحمل آنية تراثية ويقدم التمر والسمن البلدي، يعقبه شاب آخر يقدم القهوة والشاي ما يشعر الزائر بأن هذا التنظيم وهذه التقاليد متوارثة. وزاد: دعاني فريق الضيافة لمنصة خُصصت للمشاهدة تطل على المسرح المفتوح، وهناك شاهدت العرضة من مكان عالٍ ومطل ومريح، ويضيف هذا التنظيم الجميل مؤشراً على مدى ما يتمتع به إنسان الباحة من رقي في التعامل وما يكتنزه من خبرات تنظيمية. وهذه المشاهد المتميزة تعزز حضور الزائر وتشجعه على أن يشاهد الموروث، وتعمل هذه التنظيمات على إعطاء صورة جميلة عن الباحة وأبنائها، كما أنها تكرس في أذهان الأجيال هذه التقاليد، مؤكداً أن الجنادرية تجربة رائدة للمملكة والقرية التراثية في الباحة نموذج رائد في الجنادرية لتصوير كل طقوس الماضي. الجدير بالذكر أن القرية التراثية لمنطقة الباحة تشهد توافد أعداد كبيرة من الزوار والوفود الأجنبية بشكل يومي.