أرتشف من كوب قهوتي الساخنة حكاية شتاء دافئ، تلتقطها بحنان مترف جدتي المتكئة على عكازة تشهد على تاريخ حافل بالعطاء فتأسرني ابتسامتها حدَّ الثقة المفرطة بأنها الأمان إن مسكت يدي، كم لوجودهم أثر مميز في حياتنا وكم للبياض الذي يملأ شعرها سحرا فتتموج خصلاته كصحراء وطني وبحره وسمائه، فأجد فيها رائحة الأصالة والحضارة، إن لكبار السن مكانة لا تقاس بالزمن وعدد السنوات وإنما بعمق التجربة الفريدة وحجم المسؤولية في زمن كان صعب المراس، لهؤلاء ننحني احتراما نستمد منهم القوة والإصرار رغم كل الإمكانات المتاحة لنا، إلا أنهم عاشوا مبادئ الإنسانية التي نسعى لتطبيقها الآن بكل جدارة وبأريحية مطلقة من كرم وإباء وحسن الضيافة والمحبة الصافية الصادقة ودون تكلف تماما كصفاء نفوسهم المولعة بحب الخير، إنهم أجدادنا حكايا العطاء رسمتها يد التجاعيد خطوط محفورة كشاهد عيان، هؤلاء الذين عصرتهم الحياة بكل منغصاتها وأفراحها وصعوبة العيش فيها أصبحوا كبارا في كل شيء، وبات تقديرهم والعطف عليهم واحترامهم تقديراً لماضينا وحاضرنا وامتداداً لمستقبل سنكرم فيه أن أكرمنا شيبتنا وصدق رسول الرحمة محمد (صلى الله عليه سلم): «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم»، هكذا أطيل النظر إليها وابتسامة الحب تعلو شفتي ممسكاً بيديها فأستمع إلى حكاياتها والقلب ينبض حباً واحتراما!!