يُنشر هذا المقال قبل أسبوع من ختام أعمال الدورة التاسعة والعشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية التي باتت وجهة سنوية لكثير من أبناء الوطن، وأبناء دول مجلس التعاون وغيرهم في كل عام، ويجدون إضافة جديدة – في كل عام – في هذه القرية الفريدة بطرازها، والمتفردة بمحتواها التراثي والثقافي المتنوع. تميز جناح دولة الإمارات العربية المتحدة – ضيف المهرجان – ببساطة العرض، ودقة التنسيق؛ حيث جاء ممثلاً لإماراتها السبع، وشاملا لها في وحدة متصلة – دون تقسيم – ما أعطاه بعداً معنوياً كبيراً في وحدة الدولة إنساناً وتراثاً وثقافة، وقد افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. توقفت مليا هذا العام في جناح منطقة جازان الذي جاء ممثلا لجغرافية المنطقة في أجزائها الثلاثة: الساحلية، والتهامية، والجبلية؛ إذ تتميز المنطقة الجبلية ببيتها الجبلي بطرازه الدائري متعدد الأدوار، ولا أخال أن يتجاوز الزائر العشة التهامية دون تأمل منظرها الفريد، والانبهار بها عندما يلجها. تتميز المنطقة الساحلية بجزء فريد يمكن أن يعد جزءاً منفصلاً؛ لغناه التراثي والثقافي – أعني به الجزر، وتحديداً جزيرة فراسان – إذ يمكن أن يُنظر إلى المنطقة في أربعة أجزاء جغرافية، وفي هذا الجزء الفراساني يظهر معلم تراثي رائع في الطراز والتصميم يتمثل في بيت تاجر اللول «اللؤلؤ» في جزيرة فراسان أحمد منَّور الرفاعي، ويقوم بالتعريف بتاريخ هذا البيت في جناح جازان الشاب أحمد زيلعي – المشرف على البيت الفراساني، وهو شاب – من أبناء المنطقة – خلوق ومثقف وعارف بتاريخ منطقته وأعلامها ومثقفيها، وقادر على أن يثري الزائرين بكثير من المعلومات. إن تميز جناح منطقة جازان لم يأتِ وليد مصادفة أو بجهد فردي لمسؤول، ولكنه – دون شك – جاء نتيجة عمل دؤوب من إنسان جازان الذي سعى بكل فكره وطاقته؛ لتمثيل منطقته تمثيلاً حقيقياً، وصادقاً، ومتميزاً بكل ما تعنيه كلمات الصدق والتميز من دلالات كبيرة وواسعة، إنه تمثيل يعطي الزائرين صورة متكاملة عن جميع جوانب الحياة وأنماطها وثقافتها وفلكلورها في منطقة جغرافية كبيرة ومتنوعة على مساحة الجناح المتميز في الجنادرية. لفت انتباهي حرص أمانة منطقة جازان على توزيع مطوية بالفرص السياحية والتجارية، تم تحديد أسمائها ومواقعها ومساحاتها، كما قامت الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة بتوزيع دليل مفصل بالملامح الرئيسة لثلاث وأربعين فرصة استثمارية في المنطقة. يقف ممثلو شركة صلب ستيل في ركن من الجناح؛ للتعريف بشركتهم ونشاطها والتسويق لها بروح مفعمة بالأمل والطموح، ويقابلهم طلاب جامعة جازان في ركن مقابل؛ ليقدموا للزائرين تعريفاً رائعاً بجامعتهم الفتية ذات السنوات التسع التي أسموها «درة الجامعات». طلاب جامعة جازان – الذين رأيتهم – مملوءون حيوية، ونشاطاً، وذكاء، ويمتلكون مهارات رائعة، وقادرون على التعريف بجامعتهم بطريقة مبهرة مع ابتسامة وبشاشة دائمتين، ويتحدثون عن كليات جامعتهم وأقسامها، وأنشطتها وعن كراسي البحث فيها، ويفخرون بأن زملاء لهم قد حصدوا عديداً من الجوائز، وحققوا كثيراً من الإنجازات العلمية المتميزة، ويقفون عند مشاريع البناء الخاصة بجامعتهم، ويقولون بزهو المتواضعين إن مبنى جامعتهم سيصبح معلماً على ساحل مدينتهم، وهم يدركون أن للجامعة دوراً كبيراً، ويعرفون أن ذلك الدور لا يتحقق إلا بالعمل الجاد المبني على رؤية واضحة، وأهداف محددة، وهم يعون رسالة جامعتهم وعياً جيداً، وقد أعطتهم الجامعة فرصة في مهرجان الجنادرية؛ ليقوموا على كثير من أقسام جناح المنطقة إيماناً منها بطاقاتهم وقدراتهم ومهاراتهم. إن جامعة جازان تبرز إنجازات طلابها بطريقة تحفزهم إلى التميز الدائم، وتدعمهم؛ ليكونوا بناة متميزين في المستقبل، وتفخر الجامعة بأنها استقطبت عددا كبيرا من أبناء الوطن من شتى المناطق؛ ليكونوا من بين خريجيها إيماناً منها بدورها الوطني الذي ينمي الانتماء والحب لكل أجزاء الوطن، ويوطد العلاقات والصداقات بين أبنائه، ويعزز اللحمة الوطنية ويقويها، ومن بين الشعارات التي تتبناها الجامعة وتؤمن بها المراهنة على الاستثمار بالعقول الشابة. ألقى الدكتور عبدالله الغذامي في الرابع من الشهر الجاري محاضرة بعنوان: «كيف تصنع الثقافة معانيها؟» في نادي جازان الأدبي، وقد ذكر أنه لم يزر جازان في حياته سوى هذه المرة، ويحلم بزيارة حائل، وأن والده عاش مرحلتين من حياته في كلتا المدينتين. كم من كبار مثقفينا يجهل أجزاء كثيرة من الوطن، فكيف بأنصاف المثقفين وأرباعهم أو أدعيائها؟ وقفة: شكراً لأبناء جازان – بندر وزملائه – الذين يسعون بجد ودأب لأن تكون جامعتهم فناراً ودرةَ الجامعات.