في ظل الشدائد التي تحاصر البعض والحاجة التي تلاحقه وفتنة المال التي تؤرقه وتخيم على بيته وأهله يثبت البعض ويزل آخرون. ومن لطف الله بعباده أن من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه، فيرزقه من حيث لا يحتسب.. وأما من استعجل قطف الثمرة وحام حول الحمى أوشك أن يقع فيه. ولنا في قصص الأولين سلوة وعبرة.. فهذا علي رضي الله عنه وقد دخل مسجد الكوفة ليصلي ركعتي الضحى، فوجد غلاما عند الباب، فقال: يا غلام، أحبس بغلتي حتى أصلي. ودخل علي المسجد يريد أن يعطي هذا الغلام درهما جزاء حبسه للبغلة، فلما دخل علي المسجد، أتى الغلام إلى خطام البغلة، فاقتلعه من رأسها وذهب به إلى السوق ليبيعه، وخرج علي فما وجد الغلام، ووجد البغلة بلا خطام، فأرسل رجلا في أثره، وقال: اذهب إلى السوق؛ لعله يبيع الخطام هناك، وذهب الرجل، فوجد هذا الغلام يحرج على الخطام، فشراه بدرهم، وعاد يخبر عليا، قال سبحان الله! والله لقد نويت أن أعطيه درهما حلالا، فأبى إلا أن يكون حراما. وأما من وقف عند محارم الله، فإن الله يعوضه خيرا مما أخذ منه، فقد ذكر ابن رجب وغيره أن رجلا من العباد كان في مكة، وانقطعت نفقته، وجاع جوعا شديدا، وأشرف على الهلاك، وبينما هو يدور في أحد أزقة مكة إذ عثر على عقد ثمين غال نفيس، فأخذه في كمه وذهب إلى الحرم، وإذا برجل ينشد عن هذا العقد، قال: فوصفه لي، فما أخطأ من صفته شيئا، فدفعت له العقد على أن يعطيني شيئا. قال: فأخذ العقد وذهب، لا يلوي على شيء، وما سلمني درهما ولا نقيرا ولا قطميرا. قلت: اللهم إني تركت هذا لك، فعوضني خيرا منه. ثم ركب الرجل جهة البحر فذهب بقارب، فهبت ريح هوجاء، وتصدع هذا القارب، وركب الرجل على خشبة، وأصبح على سطح الماء تلعب به الريح يمنة ويسرة، حتى ألقته إلى جزيرة، ونزل بها، ووجد بها مسجدا وقوما يصلون فصلى، ثم وجد أوراقا من المصحف فأخذ يقرأ، قال أهل تلك الجزيرة أئنك تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، ثم قالوا: علم أبناءنا القرآن. فأخذت أعلمهم أجرة. ثم قالوا: إن هنا بنتا يتيمة كانت لرجل منا فيه خير وتوفي عنها، هل لك أن تتزوجها؟ قلت لا بأس. قال: فتزوجتها، ودخلت بها؛ فوجدت العقد ذلك بعينه بعنقها، فقلت: ما قصة هذا العقد؟ فأخبرت الخبر، وذكرت أن أباها أضاعه في مكة ذات يوم، فوجده رجل فسلمه إليه، فكان أبوها يدعو في سجوده، أن يرزق ابنته زوجا كذاك الرجل. قال: فأنا الرجل. فدخل عليه العقد بالحلال، لأنه ترك شيئا لله، فعوضه الله خيرا منه. “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”.