يتمتع المجتمع السعودي بخصوصية وصبغة اجتماعية تختلف في تركيبتها عن كثير من المجتمعات الأخرى، فقد حرص على قدسية الكيان الأسري وعدم المساس به وأن يكون كما شُرع لها في كتاب الله وسُنَّة رسوله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدا الانفتاح وتغيَّرت المفاهيم وذابت الأدوار بين الرجل والمرأة، واختلطت مما شكل خطراً كبيراً على تماسك كيان الأسرة. ويبدأ محاضر علم نفس تربوي بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور أحمد بن سعيد درباس حديثه بتعريف «الرجولة» و»الأنوثة» من منظور علم النفس التربوي بقوله: «الرجولة تعني طيوف مختلفة من المعاني بحسب السياقات التي ترد فيها، والمواقف التي تتطلب تمظهرها، ففي الفسيولوجيا الرجولة تعني الفحولة والقوة، بل القدرة على حماية عرين الأسرة والعمل على إشباع حاجاتها وتلبية طلباتها، أما الأنوثة فهي محطة الاسترخاء والسكن الذي تثوي إليه الرجولة.» أما مدير لجنة إصلاح ذات البين بمحافظة جدة الشيخ عبداللطيف بن هاجس الغامدي,، فذكر أن الله تعالى خلق الذكر والأنثى وجعل لكل واحد منهما خصائص تميزه عن الآخر في تركيبته البدنية والعقلية والنفسية، ليكمل كل واحد منهما الآخر، وليجد كل واحد منهما ما ينقصه في نفسه عند شقه الذي لا يستغني عنه ولا يحيا بدونه، فجعل الحمل والولادة من كمال المرأة، بينما جعل القوة البدنية والخشونة الجسدية من كمال الرجل، ويحدث الخلل في حياة الناس عندما يختلط الحابل بالنابل ويتقمص أحدهما دور الآخر، وقد أشار الله تعالى الذي أحسن خلق كل شيء (وليس الذكر كالأنثى). ومن المنظور الاجتماعي الذي لا يمكن فصلة عن الشرعي، تحدثت المستشارة الاجتماعية نورة بنت عبدالعزيز آل الشيخ قائلة:» عندما شكَّل الشارع البيت الأسري جعله مكوناً من الزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة، وحدد لهما أدوارهما بل وحدد أطر هذه المسؤولية بين الآباء والأبناء، وبدأَ من واجب الرعاية الشاملة للأسرة وانتهاء بواجب الانفاق على الأم الحامل والمرضعة، وإذا ما وقع خلاف وأوجب الحفاظ على أرواح الأطفال والنهي عن قتلهم خشيه فقر أو إملاق (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأَ كَبِيراً) الإسراء ، أو خشية العار (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت)، وغير ذلك كثير من التنظيم الأسري. وحددت نورة آل الشيخ دور كل من الطرفين بالتفصيل، فالأب مسؤول مسؤولية كاملة عن الإنفاق على الأسرة وتوفير الحماية والرعاية لهم، وتهيئة الأبناء منذ الصغر لأن يكونوا أفراداً فاعلين في الأسرة والمجتمع وإرشادهم للطرق الصحيحة، الأمر لا يمنع من مشاركة الزوجة في هذا الانفاق شريطة أن يكون برضاها وبلا إكراه من الزوج. أما الأم فهي الحضن الأول للتربية وغرس للقيم والمستحثة للهمم المربية للفضائل ودافعه الغوائل من توجه بلين وتهدي لليقين.. تحاور الأبناء وترعي الزوج. وهي في المنزل كوزارتي الاقتصاد والمالية، وهي الاستشارية ومسؤولة التخطيط ومنظم الأسرة، فإذا كان الأب مسؤولا عن توفير الدخل فإن الأم مسؤوله عن تنظيم الإنفاق وضبطه وإرشاد الأبناء للتوفير والمساهمة في نماء الأسرة مالياً واقتصادياً واجتماعياً، فالأسرة ليست محضنة للتفريخ والإنجاب بل هي مجتمع متنوع المهام. ويرى المستشار القانوني فواز الداهش أن المسؤولية والالتزامات الأسرية مشتركة بين الرجل والمرأة، حيث قررت الشريعة مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي ومن ثم حملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق والظروف الفسيولوجية الطبيعية والاجتماعية والثقافية لكل فرد، وهذا يتجلى في حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).. فالأدوار الطبيعية للرجل والمرأة هي أدوار تكاملية يكمل فيه الرجل المرأة وتكمل فيها المرأة الرجل. ويرى أن دور المرأة على الخصوص يكون في البيت ودور الرجل على الخصوص خارجه، وهذا هو نموذج الأسرة في المجتمع الإسلامي، ومعظم دول العالم في الثقافات الأخرى. ويؤيده في الرأي الدكتور أحمد درباس الذي يرى أن كلا الطرفين يتكاملان فيما بينهما، فلا يمكن لأحدهما العيش دون الآخر على نحو مستقر. وتؤكد رئيس مجلس إدارة جمعية «حماية» الاختصاصية النفسية سميرة الغامدي إمكانية عمل المرأة خارج المنزل، وأن تكون ذات مكانة في المجتمع على ألا يؤثر هذا على دورها كأم وربة بيت، ولا بأس من انشغال الرجل على أن يتمسك بمعنى القوامة في الإسلام ودوره كرب للأسرة. وضربت المستشارة الاجتماعية آل الشيخ أمثالاً حية من السنة النبوية لتؤكد على مفهوم التكامل بين الطرفين، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – مع زوجته خديجة زوجاً وأباً ومساعداً ومكملاً، وكانت خديجة مصدقةً له وداعمة ومساندة وحامية ومكملة لدورها داخل الأسرة دون منّ أو تذمر أو تشكي، كما كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يخصف نعله ويخدم بيته ويشارك أهله. ويلقي البروفيسور أحمد درباس بالمسؤولية على كاهل معطيات الحضارة والمدنية بقوله: «ربما الحياة المدنية ومعطيات الحضارة هي التي أفرغت الرجولة والأنوثة من معناها الى حد ما، واختلطت الأدوار بل وتم تبادلها بين طرفي المعادلة الذكر والأنثى». ويوافقه في الرأي المستشار القانوني فواز الداهش الذي يشير إلى أن هذه الظاهرة تخالف طبع الأسرة التقليدي عبر التاريخ والمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص.. ولكن مع مجيء عصر العولمة انقلبت الموازين تماماً وانقلبت معها الأدوار. ولخص ثلاثة أسباب رئيسة لهذا التبادل وهي: ضعف الوازع الديني وقلة الثقافة الدينية والتنصل من المسؤوليات المناطة بكل فرد، والدافع الاقتصادي الذي يُعد من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور ظاهرة تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة، وأصبحت المرأة تتحمل في حالات كثيرة مسؤولية إعالة الأسرة بدلاً من الرجل، إضافة إلى أن تطور المستوى التعليمي والاجتماعي عند الإناث جعلها قادرة على إظهار مواهبها في العمل في مجالات متعددة.» وتضيف الاختصاصية النفسية سميرة الغامدي، على ما سرده المستشار الداهش، بتعرض الأسرة لنكبات مجتمعية كالموت أو سجن القائم على الأسرة أو تعرضه لنكسة مالية أو مرض عضال. أما الشيخ عبداللطيف الهاجس فيؤكد أن أعظم المشكلات الأسرية من هذه القضية، بأن يطالب الواحد منهما بما ليس له ولا يؤدي ما عليه ويتخلى عن دوره الذي كُلف به، ويقوم بدور غيره وهو ما يحدث الاضطراب في العلاقات بين الأفراد ثم الأسر ثم المجتمع. وتشير المستشارة الاجتماعية آل الشيخ في هذا الصدد إلى أن الأسرة قد تقع في إشكالية ما يطلق عليها ب «الصراع بين الأدوار» أو «اضطراب الأدوار» على الرغم من كل تعاليم ديننا الحنيف وارتفاع مستوى التعليم والثقافة في المجتمع السعودي، مرجعة ذلك إلى الرجل يكون أساساً فاقداً لدوره في أسرته، والأمر نفسه ينطبق على الزوجة. وأضافت «شخصية زوج المستقبل أو زوجة المستقبل تنمو داخل الأسرة بين الأهل، ليس كزوج أو زوجه فحسب، بل وكشخص فاعل مشارك مجتمعياً ووطنياً وإلا غدا عبئاً على كاهل الوطن مستجدياً للدعم والمعونة». ويصف الدكتور أحمد بن درباس الآثار السلبية التي تطرأ بسبب التغيير على تركيبة الأسرة باهظة الثمن، خصوصاً في ميدان تربية وتنشئة الأبناء الذين سيعانون بلا شك اضطرابات نفسية واجتماعية تنعكس على شخصياتهم وتؤثر في منظورهم لدور كل من الرجل والمرأة في المجتمع المحافظ، بل سيكون مفهومهم للأسرة هشاً وربما غير متماسك. وتؤكد نورة آل الشيخ من خلال تجاربها في ميدان العمل الاجتماعي أن الاتكال علي الزوجة مالياً وأسرياً قد يسبب الاضطراب لشخصيتها وارتفاع الضغوط عليها، وتجد في الطلاق متنفساً، أو أن تمادي الزوجة الأنانية مستغلة لعطاء زوجها وأريحيته، حتى يجد الزوج نفسه أمام خيار الطلاق فيقع المحظور، كما تؤدي الآثار النفسية السلبية لهذا التغير في أدوار الطرفين إلى اضطرابات نفسية مثل الإحباط والاكتئاب وفتور العلاقة بين الزوجين، إضافة إلى مشكلات العنف الأسري. نورة آل الشيخ: حل هذا الإشكال يقع على الوالدين، فعليهما تغذية الشعور بالمسؤولية الأسرية وتعويد الأبناء منذ نعومة الأظافر على النهوض بالمسؤولية حسب طبيعة كل فرد. وتنحصر أهمية توزيع الأدوار داخل الأسرة في أمور عدة أهمها: ولكي ينهض الأبناء بالمشاركة فعلينا في البداية تقبل الأخطاء ثم توجيهها بكياسة، فالمسلم هين لين، وكذلك إسناد بعض المهام لهم وإشراكهم في المسؤولية وتنمية المهارات الموجودة لدى الأبناء واستثمارها لصالح الأسرة، فهذا ينمي لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة، وتضيف «على سبيل المثال استثمار الآباء لمهارة الأبناء في الحاسب الآلي، وتنظيم جداول لتجديد رخصة السيارة ورخصة قيادة الأب ومواعيد المستشفيات، وتجديد إقامة السائق أو العاملة المنزلية.. فهنا عملنا على توجيه تبادل الأدوار دون التنازل عنها، ولكن تبادل يُعزز المشاركة ويساعد الوالدين في إنجاح التجربة، فحين يغيب الأب تقوم الأم بهذا الدور ويتحمل الأبناء الذكور بعضا من هذه الأدوار مثل تأمين احتياجات المنزل، وتفقد المنزل ليلا وإغلاق الأبواب، حل خلافات الإخوة الصغار وغير ذلك. وتنصح الاختصاصية النفسية سميرة الغامدي بالتزام كل شخص بدوره وعدم تحمل مسؤولية الطرف الآخر إلا في حدود ضيقة مع الوعي بمدى التجاوز، على ألا يتخلى الشخص عن دوره أو يلقي به على الآخر، كما تشير إلى أهمية استغلال العولمة والانفتاح لصالحنا في رفع وعينا بأدوارنا، إلى أن التشديد في المقابل ليس صحياً، حيث قد يؤدي إلى مصادرة دور الطرف الآخر. وتؤكد على مسؤولية قطاعات الدولة والحكومات في وضع الاستراتيجيات والخطط المساندة في حالة الكوارث أو النكبات الأسرية. ويوصي المستشار القانوني فواز الداهش بأن يتم استصدار نظام يتبع محاكم الأحوال الشخصية يُلزم أذوني الأنكحة عند عقد النكاح بطلب شهادة تدريبية متخصصة في الشؤون الاسرية وإدارة الحياة الزوجية لكل من العريس والعروس من أحد المراكز المتخصصة في التطوير والتدريب.