جاء في الحديث أن البلاء موكل بالمنطق، وهو لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن معناه صحيح ثابت، يشهد له أن النبي زار رجلاً مريضاً فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. فقال الرجل: تقول طهور؟ بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، قال النبي: فنعم. فمات الرجل. هذا الرجل دعا على نفسه بالموت حين قال «تزيره القبور»، والله قد خلق هذا الكون خلقاً دقيقاً وجعله خاضعاً لقوانين وسنن تحكمه وتحكم طبائعه، ومنها أن البلاء موكل بالمنطق، وإذا كنا نقول إن الظن السيء الذي يمر بذهن الإنسان قد يكون سبباً في نزول الشر به، فإن النطق بهذا الظن السيئ أشد وأنكى من كل ظن مكتوم. وكلما زادت شكاية الإنسان لقدره وحديثه عن بؤسه وقلة توفيقه وفقره ومرضه بين الناس، كلما زاد شقاؤه لأن هذا من الجحود الذي يكرهه الله. الذي يشكو من نقص حاجة واحدة قد نسي أن الله قد تفضل عليه بحاجات كثيرة وعلى مدى سنوات طويلة من حياته، ويكفي أنه أنعم عليه بنعمة الوجود من العدم، العدم الذي هو لا شيء (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، هذه النعمة وحدها يكاد يصعق المؤمن حين يتصورها لشدة عظمتها. ولذلك إن خطر لنا السؤال الذي جاء في الآية الكريمة (فما ظنكم برب العالمين) فالجواب الواجب علينا هو ظننا واعتقادنا ويقيننا بالله هو الكمال من كل وجه. ليكن ظنك بالله دائماً حسناً فيما يتعلق بدنياك وآخرتك، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)، فالله يعامل الإنسان بظنه الذي يظنه بربه. كما صح عنه أيضاً (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني)، فاحذر كل الحذر أن تسيء الظن بربك، وإياك أن يمر بك هاجس تستسلم به لوساوس الشياطين. وإذا مر بك هاجس من هذا النوع فاطرده فوراً. فأنت بلا شك لن تسلم من الوساوس تماماً لكن لا تسمح لها بأن تبقى في ذهنك أكثر من خمس ثوانٍ، وتذكر أن تقوم بطرد تلك الظنون فوراً كما تمد يدك إلى رف الكتب فتأخذ كتاباً ثم تقرأ عنوانه ثم تعيده فوراً لمكانه وتأخذ كتاباً آخر أفضل منه. فعندما يدرك عقلك وتستوعب روحك أن الله سيعاملك بظنك به فإن هذا يوجب الحذر من الظن السيئ. يقول الله (عز وجل) في سورة فصلت {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فهذه الآية وإن كانت قد نزلت في الكفار، إلا أنها بلا شك تشمل كل من كان ظنه بالله سيئاً. إذا عرفت هذا، فعليك أن تسعى جاهداً لتدريب لسانك وأفكارك لتقول وتكون ما يسرّك أن يكون.. إن شعورك بالفقر والحرمان ستكون له استجابة، وهذه الاستجابة لن تسرك، لأنها ستكون من جنس شعورك، فالله عند ظن عبده.