نحن مجتمع يعشق «الفلوات» ويتنفس الحياة البرية بكل صَفائها وأكدارها. فالصحراء مطبوعة في ضمائرنا وأرواحنا كطيف أزلي يلازمنا مهما تعاقبت السنون. غير أن هذا العشق الرائق تحول إلى عشقٍ عقيم يتسم بالفجاجة والفوضوية المدمِّرة. فمقارنة بسيطة بين أرضنا قبل ثلاثين عاماً وبين حالها اليوم تبين لك ما حلّ بالأراضي الرعوية والفياض من النكبات والكوارث. قبل ثلاثين عاماً كان من الطبيعي أن تجد أرضاً قفراً من الناس لكنها مخضرة بكافة أنواع الشجيرات البرية والأعشاب الموسمية، أما اليوم فعليك أن تسير مئات الكيلومترات عن المدن لكي تجد بقايا شجرة أو أطلال روضة. لقد بدأ اندثار الغطاء النباتي عندما تحول الناس في أنماط تربية الحيوانات، دون تخطيط بيئي أو وعي اجتماعي، من تربية الإبل إلى تربية الغنم وذلك لسرعة دورتها الإنتاجية ووفرة أعلافها المستوردة. ومن مشجعات هذا التحول أيضاً استيراد سيارات الصهاريج التي استطاعت نقل الماء إلى عمق الصحراء. تسمى الغنم لدى اختصاصيي المراعي الطبيعية بالحيوانات الكانسة حيث تأكل النباتات في مرحلة الإزهار قبل أن تطرح بذورها على الأرض مما يجعل الأرض فقيرة البذور وهذا من الأسباب الواضحة التي تجعل الصحراء خالية من النباتات رغم النسبة الجيدة لهطل في بعض السنوات. إن ظاهرة الرعي الجائر وآثارها السلبية على الثروة النباتية تستدعي وقف التربية المتنقلة للحيوانات وإلزام المربين بالتربية الثابتة وتحويلها إلى مشاريع زراعية رسمية. غير أن مشكلة انقراض النباتات البرية لا تتوقف على هذا السبب فقط بل نجد أن كثيراً من المتنزهين يتركون قمامتهم في مكانها دون اكتراث بنتائج هذا السلوك وبعضهم الآخر لا يحلو له التنزه في الفيوض والروضات إلا على ظهر السيارة حيث تقوم إطارات السيارات بالدعس على براعم النباتات وإغلاق مسامات التربة مكملة ما تبقى من «واجب» التدمير الممنهج للحياة النباتية! في هذه الأيام يكثر مرتادو البر ومحبوه الذين يمارسون نقيض هذا الحب بطريقة تبعث الأسى في النفس فاستمرار هذه السلوكات ينذر بأن عودة التنوع الأحيائي والنباتي للحياة البرية في بلادنا لا يزال بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور.