الزائر لمدينة الرياض هذه الأيام، يلفت نظره تكتل أرتال السيارات ذات الدفع الرباعي وعلى متنها العوائل والأفراد، ماضيةً في سيرها خارج المدينة، بحثاً عن الروضات والفياض التي يختلي فيها ضوء القمر برمال الصحراء بعيداً عن تقنيات أضواء العصر، ليستمتعوا ببرد الصحراء الذي يناكفه دفء السمر. ورغم هذا التميز الطبيعي الشامل، إلا أن الصحراء عُدّت الملاذ الفريد من نوعه للإنسان منذ العهود القديمة وحتى وقتنا الحاضر، حتى أنها أخذت حيزاً من كتابات الكثير من الرحالة المستشرقين الذين زارو الجزيرة العربية في القرون الماضية، أمثال: هاري سانت جون فيلبي، وويلفر ثيسجر، فقد حملت الصحراء في بطونها العديد من الأسرار، وبقيت المكان الذي يلجأ إليه الباحث عن السكون وسط أجوائها التي تتغير بعد أن ينعم الله سبحانه وتعالى عليها بالغيث، لتتحول من جرداء قاحلة إلى خضراء سندسية عطرة. وتتمتع منطقة الرياض التي تعد ثاني أكبر مناطق المملكة مساحةً بعد المنطقة الشرقية، بوجود ما يزيد عن 100 روضة، موزعة في ربوعها. واختصِّت الروضات والفياض في منطقة الرياض، بأشجار ونباتات بعضها يتحمل البيئة القاسية من شدة الحرارة والبرودة وقلة المطر، والآخر ينبت إبان فصل الربيع بعد هطول الأمطار، في حين استعان الأجداد في الماضي بهذه النباتات في تدبير أمور حياتهم اليومية، ورعي أنعامهم. وينبت في مواسم مختلفة بهذه الروضات أكثر من 45 نوعاً من النباتات الرعوية والحولية. ومن أبرز الروضات التي تحظى بمتابعة واهتمام وزارة الزراعة "روضة السبلة"، التي تقع في الشمال الشرقي من محافظة الزلفي. ويستلهم مرتادو الروضات في رحلتهم ما كان عليه الآباء والأجداد في ترحالهم وعيشهم في البراري، تجمعهم خيمة قماشيّة لا تتجاوز مساحتها عدة أمتار، تُضرب أوتادها في الأرض وتُنصب بأعمدة بدون جدران مسلحة أو عوازل أسفنجية، في حين قد يستعيض المستمتع بالرحلة عن الأفران الحديثة في طهي طعامه، بالحطب الطبيعي. وعندما تُلقي الشمس بشعاعها على الأرض، يبدأ الإنسان رحلة جديدة في البراري، فمنهم من يُبحر في عباب الصحراء الناعمة بصحبة العائلة، ومنهم من يروق له التزلج على رمالها، وآخرون يفضلون الاستئناس بدفء قدح من الزنجبيل تحت ظل شجرة تحفها النباتات البرية التي تسودها الأنواع العشبية والحشائش المعمرة والحولية. وفي ذات السياق، أكّد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الزراعة المهندس محمد بن عبدالله الشيحة، أن بعض مرتادي الروضات يتسببون في تلويثها بما يتركونه من مخلفات صناعية تتلف النباتات، إلى جانب تسببهم في انضغاط التربة بسبب دخول سياراتهم لأعماق الروضات، وإشعال النيران في وسطها، مبيناً أن هذه التصرفات أدّت إلى تدهور الغطاء النباتي وتقلصه وانخفاض إنتاجيته، وانقراض العديد من الأنواع النباتية والحياة البرية، وتوسع ظاهرة التصحر وزحف الرمال والزوابع الرملية والترابية، الأمر الذي هدّد بالفعل الدور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لهذه الموارد.