شغفي بالقراءة في التاريخ القديم جعلني أتأكد بأننا حتما نسكن في أوروبا بطريقة ما، ولكن ليست الجديدة بل أوروبا العصور الوسطى، تلك التي كانت فيها عدوى الجهل تنتشر أسرع من عدوى الأمراض التي كانت تعاني منها مناطقها. مشكلاتها التي لا تُحصى سببها كان يكمن في كمية جهل شعوبها ومدى فراغ عقولهم، كان من الأفضل ألا تتناقش مع أحدهم حتى لا تُهاجم من قِبله كما لو أنه يدافع عن نفسه من مجرم قاتل سيسفك دمه دون رحمة، والسبب في الحقيقة هو أنه كان يخشى أن تسفك دم اعتقاداته التي يؤمن بها حتى وإن كانت خاطئة. تتشابه مشكلاتنا الآن مع مشكلاتهم قديما، وكأننا تبادلنا أدوار سيناريو التاريخ، نحن الآن بعيدون كل البعد عن تاريخنا القديم، فقد كان لدينا تاريخ مجيد، لا نريد إعادته، دفنا مجدنا مع تاريخنا، لا نريد التعلم من الماضي ولا المضي في حاضر مشرف، ويجهل بعضنا الدين الصحيح، ولا نهتم إلا بأمور بسيطة مقارنة بأمور الدين التي تنهض بالأمة، تعلو أصواتنا في النقاشات فيبدأ أفراد النقاش بالسب والشتم والقذف أحيانا على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا». في كثير من الأمور، لم نقوَ على كشف الغطاء عن حقيقتنا وكمية جهل عقولنا، فترجمنا أقوالنا وأفعالنا باسم الدين، والدين براء منها، وهذا الأمر تجده بكثرة في أوروبا العصور الوسطى. الأمر لا يقتصر على النقاشات، فما توصل إليه العرب من جهل، جعل كلا منهم يقتل الآخر بسبب اختلاف الاعتقادات والطائفة.. فعلا إنه أمر محزن ومرعب! الحروب التي يشنها العرب على بعضهم بعضا بسبب الاختلاف في المذهب أو الرأي، ليست بالضرورة قتل أو سفك دماء، وليست كل الحروب تظهر على شاشة التليفزيون، بل يمكن أن تكون بالرغبة في نفي كل من يختلف معنا في أي أمر، والنعرة الجاهلية التي أصبحت متأصلة، وربما موجودة في الجينات وتوارثها الأطفال منا. لا يمكن أن أنسى معلمة استغلت سلطتها علينا لتمارس طقوس الانتقام مني ومن غيري بسبب الاختلاف معنا، وما كان لها سوى درجاتنا الدراسية البائسة التي تضعها كيفما تشاء. لم أحزن كثيرا على تلك الدرجات على الرغم من أنه لا يوجد سبب مقنع على ما فعلته، بقدر ما أحزن على حال هذه الأمة. ما فعلته هي يعتبر «نقطة في بحر»، أما ما يفعله العرب بين بعضهم بعضا، فهو من أشنع الحروب في تاريخ البشرية، التي لم يُرحم فيها صغير ولا كبير. لا تظن أن ما تشعر به من حقد حينما تقابل من يختلف عنك مذهبيا ينتج عن مشاعر طاهرة وغيرة على الدين، فما هذا إلا ظلم ينبغي الحذر منه، ولا تجعله يغلبك ويسيطر عليك، فإن للظلم ظلمات. لا يوجد أي عذر تُزهق لأجله روح الجسد والحب، الحب الذي سكن قلوب الذين وضعوا عن كاهلهم العنصرية وعاشوا مع المجتمعات الأخرى باسم الإنسانية فقط، فإنسانيتنا المنسية، والفطرة التي خُلقنا عليها من أخلاق وحب هي أسمى من كل الاختلافات التي جعلتنا نعيش في دوامة من الصراعات التي لن تنتهي حتى تنتهي البشرية.