توقف السائق الآسيوي في ذلك الشارع الفرعي الصغير خلف شارع التحلية المزدحم في تلك الجمعة الخريفية باريسية الأجواء. ترجل من السيارة وحلت مكانه الراكبة الأنثى التي كانت ترافقه في المقعد الخلفي. تطلعت بصمت إلى وجه السائق الآسيوي الذي قدم من دولة فقيرة بحثاً عن لقمة العيش في مجتمعنا المتحضر وأشارت إليه باستقلال سيارة أجرة للعودة إلى المنزل. تحركت أناملها الناعمة للإمساك بالمقود الذي اعتاد معانقة يدي السائق الآسيوي منذ قدومه للبلاد منذ سنوات. بدت ملامح وجهها وكأنها تمثال صُب من فولاذ وعينيها تحاكي أعين الموتى خالية من الحياة. كانت تنظر إلى المقود وكأنها تريد اختراقه بنظرات عيناها الثاقبة عل كيانها، يُدمج بهذا المقود ويصبح جزءاً منها. كانت تشعر كطفل ولد وحرم من حقه باستخدام الملعقة وكانت تريد تغيير هذا الواقع. كانت يداها مثبتتان على المقود بلا حركة لكن عجلة رأسها كانت تدور بسرعة فائقة وسُحب أفكار التغيير التي تتبخر من بركان رأسها تزداد مع كل لحظة. تلبدت عيناها بتلك السحب الركامية وانطلقت قدمها فجأة لتطلق زخات من البنزين في جسد سيارتها الصغيرة لتنطلق مقتحمة شارع التحلية لتلتحم سيارتها مع غيرها من سيارات متواضعة وفارهة. راحت تقود سيارتها وقلبها تتسارع دقاته تحفزاً لتلك اللحظة المصيرية. انتبه أحد الذئاب البشرية بجانبها لوجود فريسة وديعة تقود السيارة بمفردها. أطلق عواء سيارته عالياً لتنبيه السيارات بجانبه وراح يشير إلى تلك الفتاة التي تقود سيارتها. ذُهل قائدو السيارات من وجود الفتاة المُحرم خلف المقود وراحوا بدورهم يطلقون صفارات مركباتهم. انطلقوا في مسيرة خلف الفتاة التي حاولت القيادة بهدوء متجاهلة صيحات الاستهجان التي امتزجت بمحاولات الترقيم ودعوات بموت أليم. ارتفعت حدة المضايقات وبدأ بعضهم بزيادة سرعة مركبته والقيادة بتهور عله ينعم بنظرة للمشهد المُحرم وصاحبته خلف مقودها المُحرم. فقدت الفتاة أعصابها وأطلقت العنان لمركبتها عند شعورها بخطورة الموقف بعد أن اصطدمت بها من الخلف إحدى السيارات التي يقودها شاب في الثالثة عشرة من عمره. استمرت الملاحقة الجنونية وازداد سعار ملاحقيها حتى تمكنوا من إيقاف سيارتها بعد اصطدامها مجبرة بسيارة توقفت فجأة أمامها. ترجل عديد من الشباب من سياراتهم وانطلقوا يركضون تجاه الفتاة كأجساد ميتة عادت إلى الحياة بغتة وشموا بدماء الفتاة إكسيراً يعيد الحياة إلى قلوبهم الميتة. راحت الفتاة تصرخ وتبكي برعب شل أطرافها عن الحركة بعد إدراكها شناعة صنيعها بتحديها مجتمعاً يمنع ويرفض قيادتها ومستعد للموت لمنعها. اقتربت الذئاب البشرية من السيارة وراحوا يدورون حولها بفرح بعد نجاحهم باللحاق بفريستهم التي رمت بنفسها طواعية في هذه المصيدة. أغمي على الفتاة من الخوف بعد أن قام مطاردوها بتكسير زجاج السيارة لفتح الأبواب. نجح أحدهم بفتح الباب الخلفي ولكنه طُرح سريعاً بالأرض من قبل أحد أفراد الشرطة التي غصت الساحة بهم فجأة. التف بعض منهم حول السيارة لحماية الفتاة وانشغل البقية بملاحقة الذئاب البشرية الذين انطلقوا هرباً من يد العدالة. استيقظت الفتاة التي لم تصدق سلامتها من الموت وما هو «أشد منه» وجلست تنتظر ولي أمرها. كااااااات. صفق الجميع من ذئاب بشرية وأفراد شرطة ومن خلف الكاميرات مخرج العمل للدور العظيم الذي لعبته الممثلة السعودية في أول مشاهد فيلم «المقود المُحرم». خرجت الممثلة السعودية من موقع التصوير وقادت سيارتها «بنفسها» بأمان إلى منزلها بشمال الرياض كما اعتادت أن تفعل منذ ذلك القرار «التاريخي».