تتصل الأم المكلومة والمفطور قلبها بابنها ذي ال 16 ربيعاً، الذي تفاجأت به يتصل من سوريا مهللاً مكبراً أنه في أرض العزة والجهاد منضماً إلى الدولة الإسلامية للعراق والشام (داعش)، ويستقبل مكالمتها الشيخ المتكئ على طاولته البيضاوية الزجاجية التي تشبه إلى حد ما طاولة المفاوضات البروتوكولية في البيت الأبيض، متشحاً بمشلحه (الزري) المذهب الذي يشبه إلى حد ما وشاح أحد أباطرة الروم. وهو يزعق وينهق وينعق بأعلى صوته منادياً ومحرضاً وناصحاً الشباب بالذهاب إلى الجهاد في سوريا، ناثراً دموعه التماسيحية على المجد العروبي والإسلامي بكل مؤثرات الجهاد وتاريخ الدين الإسلامي، مستهلاً بقصص المجاهدين المسلمين في معارك مثل ذات السلاسل والولجة واليرموك، مستعرضاً بطولات خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح في فتح دمشق. وهي تتحسب على ذلك الشيخ بأنه كان سبباً في ذهاب ابنها الغر المغرر به إلى حتفه! وبكل عطف ولطف ورؤمية الأم الموجوعة والمفجوعة تطرح سؤالها الصاعق المؤلم. طالما أنك ترى وتؤمن أن ما يحصل في سوريا جهاد وتطالب بنفرة أبناء المسلمين لماذا لا ترسل أبناءك؟ الذين يزدحم موقع «تويتر» بصور سفراتهم ودعواتهم وجلساتهم واحتفالاتهم ومداعباتهم لأطفالهم على الأثاث الإفريقي الفخم والأريكة الأمريكية الوثيرة وأنت محاط بهم مستمتع بمداعبة أحفادك؟ ألا تشعر بتلك الأم الممزق قلبها على ابنها الذي ذهب ضحية لفتواك! هنا كأن الأرض تزلزلت من تحته مرتبكاً مستشيطاً من الغضب، متذاكياً يفكر كيف يخرج من مأزقه الدموي في الإجابة أن المجاهدين في الشام يحتاجون إلى الدعم الإعلامي والمالي! وليسوا بحاجة إلى رجال، فخصصت بعض أبنائي لهذا الشأن، وخصوصاً أن أبنائي ليسوا مدربين على حمل السلاح! وأنا وأبنائي نغنيهم هنا بما نقدمه لهم من دعم إعلامي ومالي، وهذا يعتبر من باب جهاد اللسان! مكرراً أن الجهاد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (جهادوا المنافقين والكافرين بألسنتكم!). لم تتمالك الأم نفسها والنشيج يترقرق في حنجرتها بصوتها المخنوق حسرة على فلذة كبدها متحسبة، لأبنائكم جهاد اللسان وجمع المال والثراء، ولأبنائنا جهاد الأيدي والموت! رباعيات إن كان بك غيرة ونصرة للإسلام يا شيخ يا واعظ يا مفتي يا زاهد أعطيت فتوى لمن يجاهد إلى الشام يا شيخ طيب أنت (ليه ما تجاهد)