بدأ الفحص الطبي قبل الزواج منذ عشر سنوات فكان قراراً صائباً استفادت منه شريحة كبيرة من المجتمع للوقاية من الأمراض الوراثية محتملة الظهور وتفادي إعاقات وتشوهات جنينية لا قدر الله، وكل ذلك يصب في مصلحة أفراد المجتمع، وكان يحتاج في البداية إلى توعية شاملة وكاملة للأسر والمقبلين على الزواج وتثقيف الجميع عن ماذا يعني فحص طبي لكل مقدم على الزواج، وكيف أنه سيكون أول المستفيدين منه لبناء حياة سعيدة ومستقرة في المستقبل، وربما كانت البداية محملة ببعض الاستفسارات والجهل والخجل، لكن مع مرور الوقت اعتاد أفراد المجتمع على ذلك، بل وباركوا وأيدوا هذا القرار عندما شعروا ووعوا أهميته في الوقاية من الأمراض الوراثية، وما هو أخطر من ذلك، هذا القرار ساعد كثيراً من الأسر لتفادي الدخول إلى أقسام المستشفيات والبحث عن علاج أو تأهيل الأبناء المصابين بأمراض وراثية أو عيوب خلقية، وهنا يأتي دور الوعي والتثقيف بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، هنا نضع الحماية قبل الحدث، والوقاية قبل العلاج. واليوم ننتظر قرار تفعيل الفحص النفسي قبل الزواج، وأيضاً الفحص للمخدرات قبل الزواج، كل ذلك مهم جداً في تقليل عديد من المشكلات التي تطال عديداً من أفراد المجتمع خاصة المتضررين من ذلك، فهناك أسر عانت من ضرر المرض النفسي، بالأخص بعض الزوجات اللاتي تفاجأن بمرض الزوج وليس لهن حول ولا قوة، إما الاستسلام أو طلب الطلاق.. أو هناك من تفاجأ بإدمان الزوج أو تعاطيه المخدرات.. مما جعل الزوجة تمكث سنوات عديدة وهي تقوم ذهاباً وإياباً بين المحاكم تطالب بنفقة أو حضانة أولادها لكن ليس لديها دليل يدين هذا الزوج المتعاطي، فيؤثر هذا في نفسية الزوجة وفي نفسية الأبناء وعدم استقرارهم. الفحص النفسي والفحص للمخدرات قبل الزواج يساعد في معرفة بواطن الخلل في شخصية المتقدم النفسية والصحية والاجتماعية ومدى استعداده للقيام بواجباته تجاه الزوجة والأسرة، قبل أن تصل إلى مشكلات أكثر تعقيداً وخطورة بعد الزواج، وبعدها لا نستطيع أن نفعل شيئاً سوى الوقوف للمشاهدة والتنظير أو البحث في قضايا يصعب إيجاد الحلول لها، وتكون عواقبها النفسية أشد ضرراً مهما فعلنا من محاولات لتخفيف الألم أو معالجة الوضع النفسي لجميع أفراد الأسرة فيما بعد، فهو حاجة أساسية ملحة، ومن حق الآخرين حماية أنفسهم ومستقبلهم. الفحص النفسي قبل الزواج يساعد في كشف خفايا الاضطرابات والأمراض النفسية التي أحياناً تكون ظاهرة للعيان وأحياناً تكون خاملة صامتة لا تظهر إلا في المواقف المثيرة لها، فكم من خاطب تقدم وأقدم على الزواج وبارك الأهل له متناسين وضعه النفسي، هل يسمح بهذا الزواج؟ لا أقر هذا الزواج وفي نفس الوقت لا أرفضه، لكن نحتاج إلى أطباء نفسيين يقومون بتشخيص هذا المريض، هل حالة المريض هذه تسمح له الإقدام على الزواج، أم أنها مستعصية وخطرة؟ هل الحالة مستقرة وتأخذ الدواء بانتظام؟ والأهم هل الأهل واعون ومدركون خطورة الإقدام على ذلك؟ وهل هم صريحون ووضحوا الصورة الحقيقية لأهل الزوجة ماذا يعاني فعلاً هذا الابن؟ كثيرون لم يوضحوا مع الأسف وأصبحت المسألة خداعاً في خداع، والأهم هو رمي هذا المريض إلى زوجة ترعاه وتهتم به، وأحياناً يصل جهل بعض الأهل إلى أن يزوجوا هذا المريض اعتقاداً منهم بأن زوجته تستطيع في المستقبل أن تعقله أو أنه سيعقل، وهنا دخلنا إلى نقطة أخطر وأهم، ماذا يعرف هؤلاء الأهالي عن المرض النفسي؟ إذن المجتمع مازال بحاجة إلى توعية وتثقيف عن المرض النفسي، وكما ذكرت هو مرض كسائر الأمراض يحتاج إلى الاهتمام والرعاية ومعرفة كيفية التعامل معه من قِبل الجميع بالأخص الأهل. مع الأسف عندما يقدم الأهل على تزويج ابنهم المريض لا يعرفون كم اغترفوا من أخطاء كبيرة مرة بعدم إخبار أهل الزوجة والزوجة بذلك وهذا خداع وظلم.. والمرة الثانية عندما ينجبا أبناء ليس لهم ذنب، والعيش في بيئة متعبة تفتقد الرعاية والحماية والمسؤولية، كثير من الزوجات تفاجأن بعد الزواج بإصابة الزوج بمرض نفسي حاد سواء كان انفصاماً أو غيره فتحملت هي بمفردها مسؤولية المنزل والأبناء وشعورها بالضغوطات والتحديات، ومع الأسف ينتج عن ذلك الاكتئاب والإحباط والمعاناة اليومية من حدة وعصبية الزوج، خاصة إذا امتنع عن أخذ الدواء، فينعكس تعامل هذه الزوجة على الأبناء بالسلب والعطل وإسقاط كل تلك الضغوطات عليهم، مما يشكل لديهم أيضاً ضغوطات نفسية، لذا الفحص النفسي يجعلنا نستغني عن كل تلك المعاناة. كما أن من الضروري صدور قرار بالفحص للمخدرات قبل الزواج لأنه يجعلنا أيضاً نتفادى عديداً من القضايا والمشكلات الزوجية، والطلاق، والهجر، والصراع وإهمال الأبناء، وإهمال تحمل مسؤولية البيت والعوز والحاجة، كما أن المتعاطي يتأثر مع الوقت وضعه النفسي والمعنوي فيصبح كالغريق التائه في صحراء قاحلة ويذهب ضحيتة ذلك الزوجة والأبناء، فكم حالة اكتشف تعاطيها المخدرات من سنوات طويلة أرهقت نفسية صاحبها وأرهق من حوله من أفراد أسرته، وكم من ابن مع الأسف نهج نفس مسار الأب، وتأثرت نفسية الأبناء بعصبية الأب المتعاطي والغضب الدائم أو حضور رفقاء السوء إلى المنزل. نستطيع أن نختصر عديداً من المعاناة لكثير من أفراد مجتمعنا في فحص أولي قبل الزواج، يجعل المقبلين مطمئنين للوضع النفسي والصحي للزوج وللزوجة لبناء حياة سعيدة خالية من الألم والوجع والظلم. ملاحظة.. لست ضد زواج المريض النفسي، لكن لابد أن تكون للمسألة ضوابط معينة يقرها الطب النفسي بعد التشخيص الذي يفرق بين المهيأ للزواج وغير المهيأ لذلك، وأشدد على المصداقية المطلوبة من الأهل لكلا الطرفين، الوضوح ومراعاة حقوق الآخرين في تقرير مصيرهم على بينة ووضوح ببيان الحقيقية إن كان يوجد هناك مريض أو مريضة نفسياً، المرض النفسي ليس عيباً، هو كسائر الأمراض يحتاج إلى عناية واهتمام ومعرفة الطرق والأساليب التي توضح الآلية بشأن طريقة التعامل والتفاعل معه.