أعقَدُ ما يُمكن أن يحدثَ للنظام أيّ نظام هو شرحُه، فعندما يكون لدينا شرحٌ لنظام فهذا يعني أنّ فهماً آخر في الوسط، ووجود أكثر من فهمٍ لنظامٍ واحد هو طبيعة بدهيّةٌ في التلقّي، ولكن فهم النظام بواسطة شرح متلقٍ واحد هو آفةُ التلقّي. هناك لعبة تدور في الحلقات البريئة، حيث يهمس شخص في بداية الحلقة بجملة من كلمتين أو ثلاث في أذن من يكون بجواره، على أن ينقلها هذا الأخير سريعاً وهمساً في أذن من يليه، ومن يليه للذي يليه، وهكذا، عشرة، أو عشرون شخصاً، حتّى تعود الجملة لقائلها، فيعلنُ ما قال وما قيل، الحتميّ أن ما قيل في البدء سيختلفُ جذرياً عمّا قيل في النهاية، اعتمادا على التحليل السريع بعد السماع للمتعاقبين على الجملة، ينتج عن كلّ منهم فهمٌ ذاتيّ متأثّر بما قبله وبه، الهمس لا يكفلُ نقل وضوح الجملة، والتسارع لا يكفلُ نقل أبعادها، وكما يحدثُ عند فهمِ النظام وشرحه، ومحاولة شرح الشرح بعد ذلك، يأتي شارحٌ آخر ليشرح ما شرح الشارحون قبله، الحتميّ أنّ النظام شيءٌ حينها، وما بين يديك من الشروحات شيءٌ آخر. النظامُ العبقريّ يكفلُ وصول مفهومه للجميع دون شرح، النظامُ العميق يشرحُ ذاته بانصهار المتلقيّ فيه، الأداءُ الذاتيّ التفاعليّ أكبرُ شرحٍ تطبيقيّ لنظامٍ متكامل. عندما يقوم مؤلّف بكتابة رواية بالإنجليزيّة، ويترجمها آخر للفرنسيّة، ومنها للبرتغاليّة، ومنها للعربيّة، ومنها للغات أخرى، فإنّ ما يضمن وصول الفكرة الأساسيّة للكاتب باللغة الأصل هو روح ما كتب لا ما كتب، إذ أنّ ما كتبه لم يعد موجوداً بذات تفاصيله، قد ينتج موقفٌ عدائيّ ضد الكاتب من قارئ برتغالي أو عربي نتيجة قراءة ناقصة أو سطحيّة أو استخدام خاطئ لمصطلح ما، لم يكن الكاتب الأصليّ يَعنِيه، وإنما فهمُ المُترجمِ هو ما أدى بروح النص لهذا المزلق. إنّ اعتمادك على فَهم الآخرين لقصّتك، واستسلامك لمفاهيمهم تجاه النظام الذي هو لهم كما هو لك، وسيرك على هدى شروحاتهم، يرمي بك في قصّة أخرى تماماً، ضمن نظامٍ لا يمتّ للأصل بصلة، لا يقصدهُ الكاتبُ أبداً. جرّب مرّة أن تخرج عن إطار المفاهيم البسيطة المترسّخة لديك عن المصطلحات والألفاظ، أن تعيد النظر في الألفاظ التي تتلقى انطباعاتها دائماً دون تحليلها، جرّب أن تقارن مثلاً فيما يصلك من مفهوم مباشر لكلمة «عُقدة» أو كلمة «ذِكْر»، وبين معناها الحقيقي والأصليّ، ثمّ جرب بعد ذلك أن تمارس هذا على كلّ ما تقرأ، النتيجة أنّ فهمنا المبني على ما فهمناه في وادٍ، والمعاني في وادٍ آخر.