تمثل السيارات المستخدمة المستوردة، تجارة مربحة تحمل في طياتها مخاوف من مخالفتها المواصفات بما قد يعصف بأرواح كثيرة ويتسبب في حوادث أقل ما توصف به أنها مروعة. قد لا يستطيع الإنسان العادي أن يكتشف خطر ذلك، إذ أن معالجة السيارات الواردة من الخارج تتم باحترافية بما يحولها من سيارات تعرضت لحوادث تحطم بالكامل أو غرقت أو احترقت إلى سيارات قابلة للاستخدام ظاهرياً وإن كانت تحمل في ركابها الموت. ويخطئ من يظن أن السيارة التي تتعرض أجزاؤها للتلف يمكن أن تستعيد عافيتها بالقدر الذي يعدل حالتها لدى تصنيعها لأول مرة، ذلك أن اللحام الذي تتعرض له بعض الأجزاء وبخاصة في قاعدة العجلات أو في مقصورة القيادة يمكن أن يمنع تحطمها عند أول تصادم قوي معرضاً حياة سائقها ومرافقيه للخطر. ويعلم المتعاملون مع ورش الإصلاح كيف يمكن تجديد سيارة محطمة بالكامل سواء بالإصلاح أو بالاستبدال لبعض القطع، بما يجعلها تبدو كالجديدة وبتكلفة لا تضاهي ثمنها الذي تباع به التي لا تمثل أكثر من ثلث هذا الثمن. ويوجد في الأسواق دائماً زبون يبحث عن السيارة غير المكلفة، التي تؤدي الغرض سواء كان استعمالها داخلياً أو خارجياً، وربما لو أمعن النظر في قاعدة عجلاتها أو هيكلها للاحظ ما خفي من لحام يدل على أنها كانت ممزقة في يوم من الأيام. وإذا كانت الدول الأجنبية خاصة أمريكا وألمانيا تتخلص من تلك السيارات ولا تسمح بإعادة ترميمها أو استخدامها في شوارعها، فالغريب أن تصبح تلك السيارات سلعة قابلة للتداول في مجتمعاتنا العربية. والواقع أن مصلحة الجمارك بالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس أحكمت قبضتها على واردات السيارات المستخدمة في جهد مقدر من خلال عدد من القرارات، بدأتها بالقرار الصادر في 10 ذي القعدة 1429 والمُفعّل بقرار آخر صدر في 6 صفر 1434ه، الذي حظر استيراد السيارات المستخدمة وبخاصة تلك التي استخدمت في الخارج كسيارات للشرطة أو سيارات أجرة وكذلك التي تعرضت لحوادث غرق أو تصادم أو حريق والتي عادة ما توصف بكلمات مثل سكراب Scrapped أو جانك Junk أو سالفج Salvage. وكانت حظرت أيضاً دخول السيارات المستخدمة التي يزيد عمرها عن 5 سنوات للسيارات الصغيرة و 10 سنوات للشاحنات اعتباراً من 16 جمادى الثانية 1430. إضافة إلى حظر الجمارك استيراد قطع الغيار المستخدمة باستثناء القطع الأساسية التي تشمل الدفرنس والمحرك بشرط أن تكون مصندقة ونظيفة وخالية من الشحوم والزيوت ويرفق معها شهادة مطابقة تثبت أنها مجددة ويكتب عليها عبارة مجددة بطريقة غير قابلة للإزالة حتى يكون المستهلك على علم بها باعتبار أن عمرها الافتراضي قصير جدا مقارنة بقطع الغيار الجديدة. وثمة تساؤلات تطرح نفسها حول قضيتين مهمتين للغاية. الأولى تتعلق بالسيارات المستخدمة التي يتم إصلاحها في ورش في الخارج تابعة أو متعاملة مع توكيلات رسمية للسيارات العالمية في السعودية. وهي سيارات قد تكون سنة صنعها مطابقة لسنة الاستيراد، لكنها تتعرض لحادثة أو تكون سحبت لعيوب تصنيعية خطيرة. ويخشى في هذه الحالة أن يتم نوع من التواطؤ بين الشركة الصانعة في الخارج وبين توكيلها في الداخل بحيث يتم العبث بعدادها وتعديل بعض أجزائها التالفة ومن ثم تجهيزها للبيع في السعودية كسيارات «نظيفة الاستخدام» وهنا قد لا يتاح التأكد من تاريخها خاصة وأن المواقع التي توفر شهادات عن السيارات المستخدمة قد لا تشمل جميع الماركات أو الموديلات ولا تشمل كذلك كل دول العالم، بل الشائع فقط هو للسيارات الواردة من الولاياتالمتحدة أو كندا. لكن ماذا لو أعيد تصدير السيارة لدول أخرى كاليابان مثلاً أو كورياً ليعاد بيعها مجدداً للإمارات ومنها للسعودية أو للسعودية مباشرة. وتنشط تجارة السيارات المستهلكة والمعاد ترميمها في دبي على نحو خاص كأكبر الأسواق الخليجية في هذا المجال. وعادة ما تباع السيارات المستهلكة بسعر رخيص لأنها لا تباع للاستخدام كسيارة بل كقطع غيار، ونظراً لما تعرضت له من مشكلات تؤثر حتماً على أدائها مستقبلاً وبخاصة على صعيد الدوائر الكهربائية والإلكترونية التي تؤثر بدورها على جميع أنظمة عمل المركبة. وإذا كانت هذه السيارات ممنوعة من دخول السعودية نهائياً، لكن المشكلة تكمن في أنها تصدر لبعض دول الجوار وهناك يعاد ترميمها ومن ثم تصدر لاحقاً إلى المملكة بشهادات غالباً ما تكون مخالفة لشهاداتها الأصلية. أما القضية الأخرى، فهي تتعلق بالسيارات التي تتعرض لحوادث في الداخل والتي ينطبق عليها نفس المحاذير المفروضة على السيارات المستخدمة المستوردة من الخارج. في هذه الحالة، لا يتطلب الأمر مرورها عبر الجمارك أو هيئة المواصفات ومن ثم لا يتم حظرها، بل قد يعاد ترميمها في التوكيلات الداخلية، سواء التابعة لنفس الشركة أو في ورش صيانة متخصصة. ومع أن المرور يحتفظ بسجلات لجميع السيارات الصادر لها تراخيص في المملكة بما يتيح معرفة إن كانت تعرضت لحوادث مرورية أم لا، فإن هناك نوعا من المستهلكين لا يدقق في التفاصيل التي قد تنطوي على مخاطر شديدة كطبيعة الحادثة التي تتعرض لها السيارة أو مدى تأثيرها عليها وعلى صلاحيتها للاستخدام لاحقاً فضلاً عن طبيعة الإصلاحات التي تعرضت لها. ولن يمكن لكثيرين بالطبع التيقن مما إذا كانت أجزاء رئيسة في هيكل السيارة قد تعرضت للّحام مثلاً، إلا إذا كانت له عين خبير. ويقع المستهلك في حيرة بين صورة للسيارة الأصلية منشورة على موقع لبيع السيارات المستعملة تبدو كما لو كانت نجمة هبطت للتو من السماء وبين حالتها في الواقع. وأمام ضغط الحاجة يضطر إلى استخدام سيارة رخيصة و«تؤدي الغرض» لكنه لا يعلم أن فيها حتفه! وثمة مواقع عديدة تدل المستهلك على تاريخ السيارة المستوردة من الولاياتالمتحدة أو كنداً منعاً للخداع الذي يمكن أن يتعرض له. ومن ذلك موقع فحص الوارد الأمريكي www.al-warid.com وعادة ما يتضمن التقرير تفاصيل دقيقة جداً عن السيارة بما في ذلك طبيعة الحادث الذي تعرضت له والولاية التي وقع فيها الحادث وما إذا كانت مسروقة أم لا وأين تعرضت للسرقة وهل توجد بها عيوب مصنعية أو تم استدعاؤها من قبل الشركة الصانعة. كما يكشف التقرير عن ما إذا كان عدادها قد تم تصفيره ومتى تم ذلك . ويكشف التقرير عادة عن سجل ملكيتها وكيف ومتى دخلت إلى البلد وأسباب تسقيطها (توصف في هذه الحالة ب Salvage )، التي منها أن تكلفة صيانتها عالية جدا مقارنة بسعرها. إضافة إلى عرض التفاصيل الدقيقة عن مواصفاتها وسنة الصنع والفئة وقياساتها وتجهيزاتها مع عرض صور لها تجسد حالتها من الداخل والخارج بالتفصيل. كما يدل التقرير على عملية التصدير التي تمت للسيارة والدولة التي صدرت إليها وتاريخ التصدير. وتتراوح تكاليف تلك التقارير بين 60 ريالاً و 150 ريالأً، وتصدر في بعض الحالات في غضون 30 دقيقة. ويعتمد إصدار لتقرير على عدد من المصاد. كما أن موقع كارفاكس www.carfax.com هو من المواقع الشهيرة في هذا المجال ويعتمد في خدمة زواره على رقم تعريف السيارة VIN ويستمد معلوماته من 34 ألف مصدر معلومات بما في ذلك سجلات وكالات السيارات في الولاياتالمتحدةوكندا ومزادات السيارات وإدارات المرور والإطفاء وورش التصليح ووكالات تأجير السيارات وغيرها من الجهات التي تتيح سجلات عن السيارات الجديدة والمستخدمة. ويقدم تقريراً بالمجان ويتيح في تقاريره معلومات تفصيلية عن حالة السيارة والخسائر التي لحقت بها وتاريخها التفصيلي وعدد مالكيها ونتائج تحقيقات السلطات بشأنها وطبيعة استخدامها سواء كسيارة ملاكي أو أجرة أو للإيجار وما إلى ذلك من التفاصيل. ويقدم موقع كارز www.cars.com تقارير مشابهة لجميع السيارات المستخدمة وارد أمريكا. كما يتيح موقع www.arabvin.info تقارير عن جميع السيارات وارد أمريكا من خلال إدخال رقم هوية السيارة أو الرقم التسلسلي لها أو رقم الشاسيه VIN ولهذا الرقم كما هو معروف أهمية خاصة في حالات تسجيل السيارة والضمان ومنع السرقة وتغطية التأمين ويتكون من 17 رمزا، تجمع بين أرقام وحروف لا تفصلها مسافات. ولكن ماذا عن الدول التي لا توجد بها مثل هذه المواقع والخدمات؟ وتستقبل وحدة فحص السيارات في الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس عديداً من المركبات التي تحال عليها من مصلحة الجمارك لفحصها أو من المرور للتأكد من سلامة بعض أجزائها لإبداء رأيها الفني فيها. وبالتالي يجري تبعاً لذلك فحص جميع أجزائها من محرك وهيكل وناقل حركة وحالة دهان والأطوال والأبعاد والأوزان وتجهيزات السلامة. ويصدر بتلك التفاصيل ما يعرف بشهادة الفحص التي ترسل إلى الجهة التي طلبتها لاستكمال بقية الإجراءات. وتعتمد الهيئة بدورها ضمن إجراءات الفحص على مواقع موثوقة للتأكد من حالة المركبة. وحين يثبت عدم مطابقة المركبة للمواصفات السعودية يتم إرسال تقريرها مباشرة إلى مصلحة الجمارك التي تتخذ على الفور إجراءاتها لإعادتها إلى مصدرها. وتدل إحصائيات الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة على رفض 1025 سيارة من أصل 1785 تم فحصها في عام 1434 وذلك لعدم مطابقتها، وهو ما يمثل نسبة 1.6% فقط من إجمالي السيارت التي تم فحصها في ذلك العام. وقد زادت هذه النسبة في 1434 مقارنة بنسبتها في 1433 والتي لم تكن تتعدى 0.5%. أما أسباب عدم المطابقة فتبين أن غالبيتها ناتج عن التلف غير القابل للإصلاح بواقع 433 سيارة وتعرض 424 سيارة أخرى لحوادث متنوعة، فضلاً عن غرق 42 منها وتحطم 48 فيما بلغ عدد السيارات السكراب بينها 22 أما المستخدمة كسيارات للشرطة فلم يتجاوز عددها 6 سيارات فيما بلغ عدد سيارات الأجرة بينها 36 سيارة وثبت أن 2 بينها خطرة أو ناقلة للعدوى. وهذه الحالة الأخيرة تنتج عن حدوث وفاة لإنسان أو حيوان فيها وتعفنه وتحلله ما يجعل هناك إمكانية لانتقال العدوى بالملامسة.