طالب موظفو أمن الجهات المعنية بالنظر في أوضاعهم الوظيفية وإنهاء معاناتهم، وتحديد حقوقهم بعقود واضحة تحدد فيها ساعات العمل والإجازات الأسبوعية والأعياد، على أن يكون لديهم بدل سكن ومواصلات وخطر، بالإضافة إلى التأمين الصحي والاجتماعي؛ حتى تكفل حقوقهم كموظفين. يقول مشرف موظفي الأمن في أحد المجمعات التجارية، محسن عيسى القلاف، الذي يعمل في هذه المهنة منذ تسع سنوات، ولا يتجاوز راتبه ثلاثة آلاف ريال، إنه يدفع ألف ريال لمصروف البيت والكهرباء، وألف ريال للمصروفات الشخصية من ملابس وخلافه، بينما يوفر الألف الثالثة شهرياً لتحقيق حلم طال انتظاره، وهو بناء ملحق صغير ليتزوج ويستقر؛ ولهذا فهو يعمل يومياً 12 ساعة، وتقوم مهمته على الإشراف على موظفي الأمن في المجمع، ولا يجد أي تأمين صحي أو بدل خطر، وأكثر ما يواجه في هذه المهنة هو الإهانات والتهجم من قِبل الناس، خاصة من قِبل فئة الشباب الذين يثيرون المشكلات ويحاولون دخول المجمع رغم أنه مخصص للعائلات. ويضيف محمد علي القريني، الذي يعمل براتب ألف و800 ريال، بينما يطالب في بعض الأيام بالعمل لمدة 16 ساعة دون بدلات إضافية، أنه وزملاءه حراس الأمن لا يعرفون جهة يلجأون إليها في حال تظلمهم، فهم غير تابعين لمكتب العمل، وليست لديهم أبسط الحقوق الوظيفية، مثل التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية، كما أنهم يُلزمون بالعمل دون عطلة أسبوعية، ودون إجازة أعياد رسمية، إجازة أسبوعية أو إجازة أعياد، ويؤكد أنه رفض التقديم على برنامج حافز؛ لأنه يريد الاعتماد على نفسه. ويشير حارس الأمن مطلق خالد المطيري، الذي عمل في ست شركات خلال ثلاث سنوات؛ وذلك لعدم التزام الشركات بدفع الرواتب بانتظام، ويتقاضى راتب ألف و800 ريال، ولكنه مضطر للعمل لمدة 16 ساعة يومياً، والحصول على دخل إضافي بعد الاتفاق بينه وبين المسؤولين؛ لتحسين مستوى دخله، فهو معيل لعائلة تتكون من 13 شخصاً، وقام بالتقديم في برنامج حافز ولم يأتِه أي رد. ويدرس جابر المطيري (18 سنة) في الصباح، ويعود للعمل في مهنة موظف الأمن في المساء، والوقوف لأكثر من 12 ساعة، ومراقبة أمن المجمع التجاري، بدون أي تأمين صحي أو اجتماعي، ويقول إن الإجراءات المفروضة عليهم تعدّ قاسية؛ فغياب يوم واحد يخصم منه ثلاثة أيام، والتأخير نصف ساعة يخصم منه يوم عمل مهما كانت الأسباب، وأنهم لا يتبعون مكتب العمل، ولا توجد جهة للتظلم، وأنه قدم على حافز ولم يصله أي رد. تضيف زميلة لهم في المهنة، مقيمة فضلت عدم الكشف عن اسمها، أنها حاصلة على بكالوريوس زراعة، ولعدم وجود أي وظيفة؛ اضطرت للعمل في هذه المهنة الشاقة، وأنها يومياً تتعرض للإهانات من قِبل مرتادي السوق، مثل رفض المصليات خلع أحذيتهم للصلاة، وإصرار البعض على إدخال عربات الأطفال في المساجد. الباحث الاجتماعي عبدالعظيم الموسى يؤكد أنه من الجانب الاجتماعي رجل الأمن مهضوم حقه بشكل كبير؛ بسبب العمل الشاق لمدة أكثر من 12 ساعة، متحملاً برودة الجو وقسوته وشدة حرارته صيفاً، وأغلب موظفي الأمن لا توجد لديهم تأمينات صحية أو بدل مواصلات أو بدل خطر؛ ما ينعكس عليه سلبياً من الناحية النفسية؛ فيضطر إلى سرقة ما أؤتمن عليه، مثل المجوهرات والأشياء الثمينة، فلو أعطي حقه كاملاً لن يضطر للسرقة، كما أنه إذا اعترض على أي قرار يأتيه الرد (إذا لم يعجبك الوضع نأتِ بغيرك)، ويقول إنه عندما تخرج من الجامعة عاش هذه التجربة، عندما عمل لفترة معينة في هذه المهنة الشاقة أحس بمعاناتها. وأكد الموسى أنه يجب الاهتمام بهذه الفئة وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وتوفير بدل المواصلات والخطر لهم؛ حتى يستطيعوا أن يتكيفوا مع المجتمع، خاصة أن مراكزهم تعدّ حساسة في المجتمع، ويقترح الباحث الاجتماعي عبدالإله التاروتي أن يخضع موظف الأمن لدورات خاصة في التعامل مع الجمهور، والقدرة على قراءة لغة الجسد؛ حتى يستطيع أن يتعامل مع الذي أمامه، ويطالب أن يكون هناك إشراف من قِبل مكتب العمل على هذه الشركات، وأن تلزمهم أن تكون العقود واضحة، يتم فيه تحديد ساعات العمل، ويضيف أنه بما أن موظف الأمن تعليمه في الأغلب يكون متدنياً، فبالتالي سيبحث عن أفضل فرصة لتحسين مستواه الاقتصادي، وهذا يعدّ مؤشراً لانحراف الموظف؛ بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية. في المقابل، يؤكد رئيس مجموعة شركات «حماية» للحراسات الأمنية، حسين النعمي، أن هناك ما يزيد عن مائتي شركة يعمل الكثير منها بلا ترخيص، وذلك في ظل غياب الرقابة والتفتيش من قِبل الجهات المعنية؛ ما سبب عدم استقرار للعاملين فيها، وعدم تقديم خدمات مميزة للكادر البشري فيها. إن جميع الشركات الكبرى، وهي بين الثلاث إلى خمس شركات، تطبق النظام بحذافيره، من حيث البدلات والإجازات، وتحديد ساعات العمل، بالإضافة إلى التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي، ويضيف النعمي أن هناك مؤسسات صغيرة تنافس على الأسعار، وتقدم رواتب قليلة، وبعقود خارجية لا تنطبق عليها شروط مكتب العمل، وبدون أي حقوق للموظف، وهي موجودة -مع الأسف- في السوق السعودية، وأن هناك مؤسسات تحصل على ترخيص ثم يؤجرون هذا الترخيص بالباطن، وهو أمر خطير يجب الوقوف عنده. ويشير المحامي والمستشار القانوني، والمحكم التجاري/ حمود بن فرحان الخالدي، إلى أنه مما لا شك فيه أن هذه القضية تشكّل أهمية كبيرة؛ نظراً للحالة والوضع غير الصحي الذي يعيشه العاملون في هذه المهنة، خاصة أن عددهم لا يستهان به؛ حيث إن العاملين في أغلب الشركات الأمنية يعيشون تحت واقع وظروف لا يُحسدون عليها حتماً، فالواقع يشير إلى أن وظائف الحراسات الأمنية الخاصة هي غالباً للأشخاص الذين لم يحظوا تحت أي ظرف كان بفرصة إكمال تعليمهم، أو الأشخاص الذين لم يجدوا عملاً مناسباً لهم، والسبب في ذلك يعود إلى تدني الرواتب بشكل لا يعقل، فمعدل الرواتب للعاملين في الحراسات يتراوح بين (1500- 3000) ريال، وهي بلاشك من أقل معدلات الرواتب التي يمكن أن يتقاضها شاب سعودي في مهن أخرى، رغم أنهم يعملون في قطاع لا يقل أهمية في حالات كثيرة عمّا يقوم به رجال الأمن العام ورجال الحراسات في بعض الوزارات. والأمر بلاشك يتطلب تدخل الجهات المختصة من وزارة الداخلية ووزارة العمل؛ لمعالجة هذا الخلل، ومن الحلول التي يمكن أن تطرح في هذا الصدد فرض عقود موحدة للعاملين في الحراسات الأمنية المدنية الخاصة، تتضمن الحد الأدنى من الحقوق التي لا يجوز المساس بها، وأن يتم وضع حد أدنى للرواتب، وأن تلتزم الشركات الأمنية بتدريب العاملين في الحراسات، وتأهيلهم التأهيل السليم الذي يتلاءم مع طبيعة نشاطها. وأضاف «لكي نضمن تقديم خدمات أمنية مدنية خاصة متميزة للمنشآت العامة والخاصة، فإنه يجب أن نضمن في البداية الاهتمام بقوام هذه الخدمة وأساسها، وهم أفراد الحراسات، عن طريق إنصافهم وإعطائهم حقوقهم الكاملة التي أقرها نظام العمل، وفق تفعيل اللائحة التنفيذية لنظام الحراسات الأمنية المدنية الخاصة، التي وافق عليها وزير الداخلية، والتي من أهم ما ورد فيها: تطبيق نظام العمل والعمال والتأمينات الاجتماعية فيما يتعلق بدفع الرواتب، واستحقاقات العاملين، ومزاياهم، وإجازاتهم، وعدد ساعات العمل». المحامي حمود الخالدي