كشفت مصادر سودانية أن رئيس جنوب السودان سلفاكير ميار ديت تراجع في اللحظات الأخيرة عن توقيع اتفاق مع السودان، بعد مفاوضات مضنية استمرت خمس ساعات لإنهاء الخلافات النفطية بين البلدين. وتراجع الرئيس الجنوبي عن التوقيع بعد تلقيه مكالمة هاتفية مجهولة المصدر، وكان كيرمنهمكا في التحضير للتوقيع على مسودة الاتفاق إلا أن مساعدته الشخصية ألحّت بضرورة الرد على المكالمة، باعتبارها مكالمة طارئة وشديدة الأهمية. ورجحت مصادرسودانية عدة افتراضات لمصدرالمكالمة من بينها مستشارحكومة جنوب السودان الأمريكي الجنسية «روجر ونتر»، والذي تشيرالعديد من المصادرإلى أنه «السفير الحقيقي» لواشنطن في الجنوب. والافتراض الثاني أن مصدرالمكالمة من بعض غلاة المتعصبين فى إدارة الرئيس أوباما فى واشنطن وفى مقدمتهم «سوزان رايس» مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن والتي تتوق لفرض حظر طيران واتخاذ إجراءات شديدة القسوة على السودان. وتراهن رايس على إلحاق أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية على السودان أملاً في الحصول على تنازلات خاصة بعد أن نجح السودان فى حسم الحركات المتمردة فى ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولم يعد من الممكن إعادة إشعال هاتين الجبهتين لتشكيل ضغط على الحكومة السودانية. وتستشعر واشنطن تحسناً مضطرداً فى الموقف السوداني سواء فى هاتين الولايتين أو في إقليم دارفور وهي – أي واشنطن – مقبلة على انتخابات رئاسية وشيكة، من الطبيعي أنها تود الاحتفاظ ببعض أوراق اللعبة لديها لحين استخدامها في الوقت المناسب. ومن الراجح فى هذا المنحى أن واشنطن عازمة على استخدام قيام دولة جنوب السودان كورقة انتخابية تحقق بها بعض المكاسب؛ منها تشجيع قيام دولة جنوب السودان، ومحاصرة السودان وحكومتها الإسلامية وتجييرها لصالح الدولة الجنوبية. كما ترجح الافتراضات بأن يكون صاحب المكالمة الهاتفية «مسؤولا في الحكومة الإسرائيلية»، حيث أفادت مصادر مطلعة في أديس أبابا أن الجانب الإسرائيلي «كان حاضراً داخل العاصمة الإثيوبية، وكان يتابع المحادثات بصفة لصيقة» والسبب في ذلك أن إسرائيل تخشى أن يقدم الجانب الجنوبي تنازلات للجانب السوداني – بحكم علاقة البلدين – ومن ثم تنقضي الأزمة مبكراً دون أن يُتاح لإسرائيل إدارة مصالحها فيها، وهو افتراض لا يمكن تجاهله أو التقليل منه، كما أفادت المصادر ذاتها أن إسرائيل تدير الشأن الجنوبي بكامله، وهي المحرك الفعلي للدولة الجنوبية، وهو أمر بوسع أي مراقب يزور جوبا أن يلاحظه بوضوح ودون عناء.وأخيراً، هناك أيضاً أنباء تشير إلى أن بعض غلاة المتعصبين في الحكومة الجنوبية أجروا اتصالاً بالرئيس سلفا كير فى اللحظات الأخيرة للمفاوضات، ومارسوا عليه ضغطاً عنيفاً وصل إلى حد التهديد بسحب الثقة عنه إذا وقع على الاتفاق بهذه السرعة والسهولة. وكانت الوساطة الإفريقية في أديس أبابا قدمت مسودة اتفاق إطاري لمدة شهر ينص على دفع الجنوب للشمال مبلغ أربعة مليارات دولارلسد الفجوة في احتياجاته من العملة الصعبة خلال خمس سنوات، بجانب إرسال 35 ألف برميل يوميا لتشغيل مصاف بالشمال مقابل أن يفرج السودان عن البواخرالمحتجزة. إلا أن حكومة جنوب السودان شككت فى إيفاء الخرطوم بالتزامها بالبند الأول من الاتفاق الإطاري الذي وضعته الوساطة والقاضي بالإفراج عن السفن.وأبلغ سلفاكير رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي باحتمالات نكوص الخرطوم وعد إيفائها، ونقل رئيس الوزراء الإثيوبي للبشير التحفظات الجنوبية وطلب من البشير إبداء نوايا حسنة باتخاذ الخطوة قبل التوقيع على الاتفاق. ومن جانبه وافق البشير على الاتفاق دون تحفظات. وأبدى حسن النية ووجه الرئيس وزارة النفط السودانية بإخلاء سبيل السفن المحتجزة بميناء بشائر، والتي تحمل نفط دولة الجنوب مبينا أن ذلك يعكس للمجتمع الدولي والرأي العام مدى تعامل السودان وقيادته بمسؤولية تجاه هذا الملف وحرصها على استمرار التعاون مع الجنوب. ولكن دفعت دولة جنوب السودان بشروط جديدة لا علاقة لها بملف الخلافات النفطية من بينها مطالبة جوبا الاعتراف بجنوبية آبيي والتنازل عنها، والتخلي عن المناطق الحدودية الخمس المتنازع عليها بجانب تنازل الحكومة عن كل أسهمها وحقوقها في «سودابت». وقال عضو الوفد التفاوضي الزبير محمد الحسن في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم «واضح أن وفد الجنوب لا يريد الوصول لحل مؤقت أو دائم، بعد إدخاله شرطين غريبين ما يدل على أن لحكومة الجنوب جهات أو جيوبا لا تريد أن تصل مع الحكومة لاتفاق في هذا الأمر «. وفشلت المحادثات بعد تراجع سلفاكير عن التوقيع في اللحظات الأخيرة بعد تلقيه مكالمة هاتفية مجهولة المصدر. وفي الحال عقد الرئيس البشيراجتماعا مع وفده لمفاوضات أديس أبابا وأمر الوفد العودة إلى الخرطوم.ويذكر أن الاختراق الوحيد الذي حققته جولة أديس أبابا الاتفاق على تعريف المتأخرات وتاريخها اعتباراً من التاسع من يوليو 2011م تاريخ الانفصال ومبادئ وأسس حول التجارة مبينا أن الجولة القادمة للمفاوضات المرتقبة ستكون فى فبراير وسيتم فيها استكمال التفاوض فى هذه الملفات بجانب الحدود والأمن.وأرجع خبراء استراتيجيون تشدد جوبا، وعدم تقديمها أية مرونة بالموقف التكتيكي لإجبار الشمال تقديم تنازلات أكبر في ملفات خلافية عالقة بين البلدين. واستغرب الخبراء على النطاق الدولي الموقف الجنوبي بتقديم أية مرونة للجانب السوداني بشأن ملف النفط فإن من غير المنتظر أن يقدم الجانب السوداني فى ملفات هامة أخرى أدنى درجة من المرونة، وحتى لو فكرت جوبا فى عمل عسكري إزاء ملف أبيي فستكون محاولة فاشلة لا مستقبل لها؛ حتى ولو حدث وأن تغيرالنظام في الخرطوم وهو ما يُعتبر عنصراً مستبعداً على المدى القريب لأن قضايا الأرض في السودان لها حساسيتها، كما أن جوبا ينبغي ألا تراهن على وجود قوى سياسية في السودان كانت متحالفة معها في السابق، إذ أن الوضع الآن تغير واتضح كل شيء. البشير