أحببت أن أعنون مقالي بهذا العنوان، حتى أستطيع تجسيد الحالة التي يشعر بها أبناء الباحة جميعاً، التي مع الأسف، أثَّرت سلباً على مجتمع الباحة، كمجتمع يسوده الترابط والتعاطف، ولكن هذا الترابط والتعاطف لم يثمر إنجازاً يذكر لابن المنطقة داخل منطقته، فابن المنطقة خارج حدود منطقته ومسقط رأسه، هو الرجل المخلص المتفاني في خدمة الآخرين، ناجحٌ، يشار إليه بالبنان، يوظِّف طاقاته بشكل جيد، يفيد نفسه ويفيد الآخرين. هناك شخصيات عديدة يعتبرون وجهاء في الأحياء التي يسكنونها في المدن خارج المنطقة، بل إن بعضهم تجده كسب ثقة أفراد الحي وأصبح عمدة له، بينما لا تجد له ذكراً حسناً في قريته أو في عائلته ولا يصلح أن يكون معرفاً لقريته، بل تجده موصوماً بالتهم، وفي أغلب الأحيان يطلقون عليه لقباً يكرهه أو ينادونه ب «ولد فلان» أو «ولد فلانة»، فكيف يمكن لمثل هذا أن يخدم قريته أو عائلته أو حتى منطقته – إذا تحدثنا من ناحية الوظيفة الحكومية -؟!، وهنا مربط الفرس. نحن في منطقتنا نعاني من تأخر تنموي، ونلقي باللائمة على الجهات المسؤولة في الدولة، وهي بلا شك تتحمل جزءاً من ذلك، ولكن الجزء الأكبر نتحمله نحن أبناء المنطقة، نحن لم نترك لابن المنطقة المخلص مساحة كافية من الثقة بالنفس تجعله يقدم ما لديه، نلاحقه بالتهم ونتصيد أخطاءه ونشير إلى مثالبه ونمحو حسناته، خذوا مثالاً على أبناء المنطقة الذين يتقلدون مناصب في منطقتنا كيف هي نظرتنا لهم؟ بماذا ساعدناهم؟ بأي الأيدي صافحناهم؟! دائماً ننظر إلى مناطق مثل القصيم ومكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها على أنها تتفوق على منطقتنا في التنظيم والمشاريع ومنطقتنا محرومة، وفي الحقيقة أن منطقتنا ليست محرومة من مشاريع التنمية التي تضخها الدولة – رعاها الله – لكل المناطق بلا تفرقة، ولكن السبب يكمن في أن أبناء المنطقة الذين وصلوا إلى مراتب عليا في الدولة واقتربوا من صانع القرار لم يوجهوا بوصلتهم نحو مسقط الرأس، ولكن كانوا يسعون لإنهاء مدة تكليفهم بلا خسائر تذكر، ولسان الحال يقول «يا مسلم سلم»، وهذا مرده للسبب الآنف الذكر. نحتاج إلى أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع بعضنا أولاً، ثم مع مسؤولينا من أبنائنا، كذلك نحتاج لمشروع حضاري اجتماعي يتبناه أصحاب الفكر والثقافة والدعاة في منطقتنا لمعالجة هذا الإرث الاجتماعي الثقيل، كفانا هجرة لعقول أبنائنا، كفانا تحسساً من بعضنا، دعونا نفكر جيداً بعيداً عن الماضي الذي سئمنا من الخوض في دهاليزه، منطقتنا جميلة ولا تستحق منا كل ذلك العقوق.