لعلك تعرف قصة ذلك الفلاّح، عندما اتفق أربعة من أصدقائه على أن يمازحوه وهو خارج إلى مزرعته، مزاحاً ثقيلاً غاية الثقل. إذ لقيه الأول وهو خارج في الصباح لفلاحته، فقال له: كيف حالك يا فلان؟ فقال: أنا بخير وعافية. فرد عليه صاحبه بالقول: إنك تبدو مريضاً، فلونك مصفر ووجهك شاحب ويبدو أن بك مرضاً عضالاً. فسار في طريقه فلقيه الثاني فقال له مثل ما قال الأول، فما فرغ من الحديث مع الثالث حتى دخله الخوف. فلما لقيه الرابع قال له: كيف حالك يا فلان؟ أجابه: إنني مريض بمرض شديد ولعل هذا المرض سيقتلني. ثم مات هذا الرجل من غده. إنني أصدق هذه القصة. إن للعقل الباطن أهمية لا يصح لإنسان أن يغفل عنها. إن أي فكرة تستغرق عقلنا الظاهر (الواعي) بصورة متكررة، تنتقل للعقل الباطن (اللا واعي) حيث موطن المشاعر والانفعالات والقدرات الإبداعية. وإذا فكرت في شيء فسوف يظهر لك: إذا فكرت بالخير وتوقعت الخير ودعوت الله تعالى أن يرزقك من خير الدنيا والآخرة ويكفيك الشر في الدنيا والآخرة فسوف يكفيك الله كل ما أهمك وسوف يتجلّى أمامك الخير. أما إن فكرت في حياتك بطريقة الخائف من المستقبل المعزول الوحيد الذي حُرم نعمة الدعاء، فإن عقلك الباطن سيساهم في أن ترى كل ما تخاف منه وقد تجلّى لك في حياتك. العقل الباطن يتعامل مع الأفكار السلبية والإيجابية على حد سواء وبمنتهى العدل، لذلك فالعقل الباطن يمكن أن يكون سبباً للسعادة، كما يمكن أن يكون سبباً للشقاء المستمر والإحباط والبؤس. إنها صورة لالتقاء الفكر مع الوجود. إن تصور هذا اللقاء هو اكتشاف لكنز موجود في داخل كل واحد منا. فعقلك الباطن هو المسؤول عن كافة أجهزة جسدك وهو العقل الذي يستطيع الوصول للحقائق، لا العقل الظاهر المكبل بمعطيات الحس وأصفاد الوجود المادي. هنا يتضح أن تعويد العقل الباطن على التفكير الإيجابي من أهم أسباب راحة البال والسعادة وتحقق الآمال. لكن لا بد أن تمرّن عقلك الباطن بحيث تجعله يقتنع بهذا المبدأ الذي اخترته والطريق الذي ستسلكه طوال عمرك. هذا ليس حديث خرافة، فالأطباء المختصون يقولون إن الأفكار تترك انطباعات في خلايا المخ، كما أن تجاربهم التي أجروها على أشخاص تحت تأثير التنويم المغناطيسي تقول إن العقل الباطن لا يملك القدرة على التمييز ولا على الاختيار، فهذه الأعمال خاصة بالعقل الظاهر (الواعي). ولذلك فالعقل الباطن يصادق على أي فكرة تأتيه من العقل الظاهر، حتى إن كانت غير صادقة، ثم يبدأ في عمله، مستغلاً كل الطاقة الداخلية لكي يحقق تلك الفكرة، بعد أن تشرّبها. لقد أثبت التنويم المغناطيسي هذه الحقائق المتعلقة بقوى العقل الباطن بحيث لم يعد هناك مجال للشك فيها، وهي كما هو واضح سلاح بحدّين، قد ينفع منفعة كبيرة، وقد يضر مضرّة شديدة، فانظر ماذا تختار؟.