تنحنح أبو سالم ثم اعتدل في جلسته وقال: يا الربع أحد منكم يعرف (البسفوك)؟، وبطبيعة الحال فإن أبا سالم كان يقصد أحد مواقع المشاركة الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية والمسمى (فيس بوك) ولكن قدرات أبو سالم اللغوية لم تسعفه على نطق الكلمة بالشكل الصحيح، لقد كان أبو سالم أحد كبار السن في قريتنا ولكنه وبحكم حبه لسماع الأخبار من مذياعه العتيق ذي اللون البني أصبح يستمع إلى بعض المفردات والمصطلحات التي ترد عرضاً أثناء استماعه للكثير من البرامج المختلفة، فاستعصى على فهمه البسيط أن يدرك معاني هذه المفردات، ولم تستوعبها ملكته الإدراكية المتواضعة، مما أوقعه في حيرة كبيرة. خيم الصمت على المكان ودارت الأعين الحائرة يميناً وشمالاً، لم يكن أحد من الحاضرين يعرف ما هو هذا الشيء الذي سألهم عنه أبو سالم، ولكن سحمان ذلك الشاب الذي تخرج للتو في إحدى الجامعات الغربية وأتى إلى القرية ليستجمّ بعد طول غياب قال يا عم أبو سالم لقد أصبح الفيس بوك وكل مواقع المشاركة الاجتماعية على شبكة الإنترنت سلطة خامسة يحسب لها ألف حساب، لقد ساهم الفيس بوك في إشعال الثورات العربية، وقلب موازين المعادلة بين المصدر والمتلقي فأصبح المواطن هو المصدر وهو المتلقي في نفس الوقت، وصانعاً للحدث ومشاركاً في ترتيب أولويات الأخبار، ومفجراً لدوامة الصمت بتطرقه لبعض القضايا المسكوت عنها وهذا ما جعله سلاحاً مصلتاً يخافه الجميع ويتقي غضبه الجميع. وفيما كان سحمان يتحدث كان العم أبو سالم يحملق في وجهه ساعة ويقلب ناظريه في الجبال المحيطة تارة وكأنه يستمع إلى إحدى الأساطير الإغريقية ولكنه على الرغم من ذلك كان يدرك أن هذا الشيء المسمى (فيس بوك) كان شيئاً مهماً جداً ويبدو أنه قد عرف ذلك من تعابير وجه سحمان وحركات يديه المضطربة وعندها قال أبو سالم: الله يسخره لنا ولا يسلطه علينا يا ولدي!